د. رامي عطا صديق
ليس من باب المبالغة، أو تمجيد الذات والشعور بالاستعلاء، القول بأن مصر دولة عظيمة وعريقة، تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، ذلك أنها واحدة من أوليات الدول التى تكونت فى العالم، ومنذ فجر التاريخ استقر شعبها حول نهر النيل، لتنشأ فيها حضارة زراعية، تبعتها أنشطة صناعية وتجارية، حيث عرف المصريون العلم واهتموا بالإنتاج والعمل، واحتوت مصر ثقافات عديدة وأنتجت حضارات أصيلة، ما جعل لها شخصية فريدة ومتميزة، ومن المعروف أن مصر هى الدولة الوحيدة حول العالم التى يوجد علم باسمها هو «علم المصريات/ Egyptology»، كما أنها تتفرد بـ«علم القبطيات/ Coptology»، ولها أيضًا حضور متميز فى مسيرة الحضارة العربية والإسلامية، فضلًا عن بعدها الإفريقى والدولى. . ولعلنا نُلاحظ كيف أننا ومنذ عدة سنوات صرنا نحتفل بمئويات تأسيس بعض المؤسسات والكيانات، ومرور مثلها على بعض الوقائع والأحداث، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وثقافية، وأصبحنا نتداول عبارات من نوع اليوبيل المئوى والماسى والذهبى والفضى.. ونحن حين نحتفل بمئويات المناسبات التاريخية، فإننا نحتفى ونحتفل، ونستخرج الحكمة والموعظة والدروس المُستفادة، حيث نستحضر الماضى ونستلهمه، بغرض الاستفادة من أحداثه وشخصياته، ونحن نعيش الحاضر بهمومه وتحدياته ومشكلاته، ونتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
ومن هنا أصبح من الطبيعى أن نرصد المئويات/ المناسبات التى تنتظرنا فى العام الجديد «٢٠٢٥م»، ومنها مرور مائتين وخمسة وعشرين عامًا على افتتاح الكنيسة المرقسية الكبرى بحى الأزبكية، والتى كانت مقرًا للكرسى المرقسى، حيث يستقر بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ويعود الفضل فى تأسيسها للمعلم إبراهيم الجوهرى وأخيه المعلم جرجس الجوهرى، بالإضافة إلى عدد من أعيان ووجهاء تلك الفترة، وفيها استقر البابا مرقس الثامن، والبابا بطرس السابع الجاولى، والبابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، والبابا ديمتريوس الثانى، والبابا كيرلس الخامس رجل الصلاح، والبابا يوأنس التاسع عشر، والبابا مكاريوس الثالث، والبابا يوساب الثانى، والبابا كيرلس السادس رجل الصلاة، والبابا شنودة الثالث مُعلّم الأجيال، الذى استقر بعد ذلك فى مقر العباسية.. كما تمر مائة وخمسون عامًا على تأسيس مؤسسة «الأهرام» الصحفية، وكانت قد تأسست عام ١٨٧٥م على يد الأخوين اللبنانيين سليم وبشارة تقلا، الذين هاجرا من موطنهما لبنان إلى مدينة الإسكندرية قبل أن ينتقلا للقاهرة، وأصدرا العدد الأول من جريدة «الأهرام» يوم السبت ٥ أغسطس ١٨٧٦م، وما زالت توالى الصدور إلى اليوم، مؤسسة صحفية قومية، يعكس تاريخها وظروف تأسيسها ونشأتها ذلك التواصل الحى والفعّال بين مصر ومحيطها العربى، وترحيبها بالمثقفين العرب، لتؤكد مصر أنها عاصمة دائمة للثقافة العربية فى مختلف مجالاتها، وأنها تمتلك الكثير من مظاهر القوى الناعمة والذكية.. وتمر مائة وخمسة وعشرون عامًا على صدور جريدة «اللواء»، التى تُمثل محطة مُهمة وصفحة مُضيئة فى تاريخ الصحافة المصرية، حيث أصدرها الزعيم الوطنى مصطفى كامل (١٨٧٤-١٩٠٨م)، الذى كان زعيمًا صحفيًا مثلما كان زعيمًا سياسيًا، وقد أصدر أول عدد منها فى ٢ يناير ١٩٠٠م، وكان يوافق اليوم الأول من شهر رمضان آنذاك، وكان غرضه من هذه الجريدة، وغيرها من صحف أصدرها فى فترات لاحقة، هو أن يتواصل مع الرأى العام، وأن تكون لسان حال الحركة الوطنية المصرية التى طالبت برحيل الإنجليز واستقلال مصر.
مرور مائة وخمسة وعشرين عامًا على صدور كتاب «المرأة الجديدة» للمفكر والمصلح الاجتماعى قاسم أمين (١٨٦٣-١٩٠٨م)، الذى كان قد أصدر كتابه «تحرير المرأة» عام ١٨٩٩م، وبسببه تلقى الكثير من الهجوم والنقد، حيث جاء كتابًا جريئًا وكاشفًا لعلاقات اجتماعية تتطلب مراجعة، لكنه لم ييأس وأصدر كتابه «المرأة الجديدة» فى العام التالى ١٩٠٠م، وتناول المرأة فى حكم التاريخ وحرية المرأة والواجب على المرأة لنفسها والواجب على المرأة لعائلتها والتربية والحجاب، مؤكدًا أن المرأة إنسان مثل الرجل.. وتمر مائة عام على صدور مجلة «روزاليوسف» لصاحبتها الفنانة والصحفية السيدة فاطمة اليوسف (١٨٩٨-١٩٥٨م)، التى هاجرت من لبنان واستقرت فى مصر، وعملت بالفن المسرحى، وأصدرت مجلتها عام ١٩٢٥م، حيث اهتمت فيها بالسياسة والفن، وهى ما زالت توالى الصدور أسبوعيًا إلى اليوم.
ومن المناسبات التى يشهدها عام ٢٠٢٥م ذكرى مرور خمسين عامًا على رحيل الفنانة «أم كلثوم» (١٨٩٨-١٩٧٥م)، التى رحلت عن دنيانا، وإن لم ترحل عن العالم بفنها وأغانيها، حيث شدَت بأجمل الأغنيات والقصائد العربية تُصاحبها موسيقى راقية، وذاع صيتها فى مصر والعالم العربى، بل خارجه أيضًا، حتى إنها استحقت أن تفوز بلقب «كوكب الشرق».
ومن المؤكد أن هناك مئويات أخرى، على المستوى الدولى والإقليمى والقومى والمحلى، وهى فرصة لنحتفل ونحتفى.. نستفيد ونتعلم.
نقلا عن المصري اليوم