عادل نعمان
.. ولسنا نتنبأ بما سيدور فى سوريا الأيام القادمة فقط، بل نراها حقيقة دامغة لا ينكرها التاريخ، والحقيقة الدامغة تؤكد انقلاب فصائل هذا التيار على نفسه وصراعه على السلطة كما حدث بين الفصائل الأفغانية، كل فصيل يرى منهجه أقرب للشريعة الحقة والعقيدة الصحيحة، وإن كنا نتمنى أن تنجح الدولة الدينية لمرة واحدة فى تاريخنا الحديث والقديم حتى نرجع عن معتقد راسخ فى أذهاننا منذ الأوائل حتى عهد الجولانى الحديث والمعدل، وإن كنت أرى فى الأفق محاولات دؤوبة من أطراف كثيرة تدفع الموقف فى سوريا إلى ترويض الإرهاب واستئناسه، وشل حركة الشيعة الإيرانية فى المربع العربى، وهذه الأطراف لا تستوعب خطورة هذا التيار الذى لا يستأنس بأحد ولا يوالى سواه، وينقلب على من أحسن إليه وأكرمه، فضلا عن خطورة الوصاية التركية والتدخل الإسرائيلى على سوريا، فنكون قد ربطنا قرد مكان نسناس.
ولست أرى فى تدفق هذه الوفود إلا محاولة رديئة لترويض هذا الوحش وتطويعه وتحويله من منهج «الجهاد الحربى» إلى «الجهاد السياسى» وهى سياسة مخابراتية جديدة يتم زرعها فى سوريا الآن، وأول خطواتها تحويل الإرهابى أبو محمد الجولانى إلى «نموذج سياسى» أو رجل دولة يتم تجهيزه وأعداده كخيول السباق فى أحد المضامير سريعا، يحلق شعر رأسه ويهذب لحيته، ويرتدى حذاء يزيد سعره عن الألف جنيه إسترلينى، ويكتسى بدلة وكرافت يزيد سعرهما عن الخمسة آلاف إسترلينى، وتجميل لقاءاته التلفزيونية، وإعداد حواراته جيدا، وترتيب الإجابات النموذجية التى أعدت سلفا فى دولة من دول الجوار، فيجيب عن هذه الأسئلة المعقدة فى سهولة ويسر وخبرة نموذجية وكأنه رجل دولة من الطراز الأول، ضليع بكل ما يدور حوله، سياسى متمرس قد أعد بإتقان بالغ، فيتحول من همجى إرهابى إلى دارس فنون السياسة فى أرقى الجامعات، حتى أوهم «الشرع» الوفد العراقى الذى دخلت عليه اللعبة حين أعلن الجولانى أمامهم أن الخلاف بين السنة والشيعة من ألف وأربعمائة عام ليس له دخل به الآن، وسيسقطها الجولانى من حساباته.. قل لنا يا سيد «أحمد الشرع» لماذا حكمت عليك محكمة عراقية بالإعدام؟ إلا إذا كنت على رأس المتطرفين الذين قتلوا الشيعة وفجروا مساجدهم الضرار!! واعتدوا على الكنائس وقتلوا وطاردوا الصابئين والمسيحيين فى العراق.
ثم كيف تكون دولة وطنية وقد تم اختيار الحكومة المؤقتة كلها من «هيئة تحرير الشام» المتطرفة والمصنفة إرهابية، كانت وما زالت تمارس الإرهاب ولم ولن تتنازل عن أفكارها قيد أنملة، وللعلم فإن الحكومات المؤقتة فى علوم السياسة ليس من حقها رسم سياسات الدولة قصيرة أو طويلة الأجل، أو توجهاتها أو التأثير فى قراراتها أو أيديولوجيتها المستقبلية، وهى حكومة من التكنوقراط لتسيير الأعمال فقط، فهذا رئيس الوزراء محمد البشير، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة إلى وزير الخارجية أحمد الشيبانى ووزير الإعلام محمد يعقوب كل هؤلاء ورفاقهم هم رجالات حرب وتخريب، فشلوا من قبل فى إدارة دويلة إدلب، ولقد عبر الشعب عن هذا فى مظاهرات سابقة تندد بفشلهم فى إدارة محافظة إدلب وما حولها.
وعن السيدة عائشة دبس رئيسة مكتب شؤون المرأة ممثلة المرأة فى الوزارة فكانت داعشية أكثر من رجالها، وفيما صرحت به (أن المرأة لا يجب أن تتجاوز أولويات الفطرة التى فطرها الله عليها وهى رعاية زوجها وأولادها) لم تخرج أفكارها عن ابن تيمية وحسن البنا وسيد قطب وبن لادن والظواهرى والبغدادى والقرشى والجولانى، ثم يا سيدتى كيف وصلت إلى هذا المنصب إلا بالاختلاط والممارسة والمنافسة مع الرجل والخروج من بيتك إلى العمل فما بالك نصائحك قد أصابت الجميع سواك؟!
وإياك أن تظن أن هؤلاء سيخضعون يوما ويسلمون السلطة لمدنيين فهم وأشباحهم مستمرون إلى ما شاء الله، فقد أعلن الجولانى عن فترة انتقالية أربع سنوات حتى يعد الدستور، وهى فترة انتقالية كبيرة للتسويف، يواكبها فى هذه تغيير فى المناهج الدراسية، وتمكينهم من دواليب العمل، وفرض ثقافتهم على الجميع حتى تستقر الأمور ويخضع الدستور والشعب لتوجهاتهم، وكلها لصالح الدولة الدينية فإن الهدف فرض الدولة الدينية من اليوم الأول.
ثم تعال إلى كارثة الكوارث وهى محاولة إلغاء التجنيد الإجبارى، ويسبقه الآن قرار دمج الميليشيات المقاتلة فى الجيش السورى، ليصبح جيش الخلافة، وجيش عنصرى دينى إقصائى لكل القوة الوطنية، يحمى أصحاب ديانة واحدة ومذهب واحد، فإذا عدنا إلى مناهج المدارس التى تم تعديلها على يد هيئة التحرير الشام على سبيل المثال فقد تم تغيير «الدفاع عن الوطن» إلى «الجهاد فى سبيل الله» يصبح قتال كل المخالفين واجبا شرعيا وفى سبيل الله، ومن ثم تصدير هذا الجهاد إلى دول مختلفة منها دول الجوار، هؤلاء قد استبدلوا الجيش العلوى بميليشيات طالبان وداعش والقاعدة وجيش النصرة دفعة واحدة، ووداعا سوريا إلى قندهار.
«الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم