الأب جون جبرائيل
بعد التتويج، جلس الأسقف على عرشه كأنّه ملكٌ متوّج في قصرٍ قديم، محاطًا بهالة من الغموض والهيبة المصطنعة. في تلك اللحظة الأولى، لم يكن بحاجة إلى التفكير مرّتين ليُدرك أنّ خلاصه الوحيد يكمن في دهائه، تلك المهارة التي صقلها خلال جلسات "المصاطب"، حيث كان يتّقن فنّ إطلاق النكات الساخرة والسخرية المبطّنة والمكشوفة، موجّهًا سهامه ضدّ الطوائف الأخرى ومَن صنّفهم أعداء الكنيسة. لم تكن مسألة وجود أعداء خيارًا، بل ضرورة؛ فمن دون أعداء يصبح حصن الكنيسة هشًّا، ومكانته على العرش مهدّدة. لم يكن الأسقف يخاطب عقول الجالسين أمامه، بل كان يغرس أفكاره سيوفًا في أرواحهم وأفئدتهم، ليخلق صورةً مزيجة من المتعة والرعب.

ماكرًا كان الأسقف، يعرف كيف يحوّل خفّة دمه إلى سلاح، والمكر إلى استراتيجيّة، حتّى بات هو والكنيسة كيانًا واحدًا. كأنّما استعار دروس الطغاة الذين يتّحدون مع الدولة، معلنًا أنّ أيّ هجوم على شخصه هو خيانة للوطن وللإيمان معًا. منابر الكنيسة تحوّلت في يديه إلى منصّات سياسيّة، حيث الكلمات ليست إلّا قوانين خفيّة تُعيد تشكيل قواعد اللعبة لصالحه.

المشهد أمامه بدا كأنّه مسرحيّة بإخراجٍ متقن، حيث الحضور لم يكونوا جمهورًا واعيًا، بل قطع شطرنج يُحرّكها بدهاء لا يخلو من القسوة. تتكرّر عباراته الرنّانة، "أنا درع الكنيسة، أنا الحامي الأمين للوطن!"، كأنّما يعيد صدى خطابات الطغاة: "أنا الوطن، أنا الدولة." كلّ جملة تحمل تهديدًا خفيًّا، وكلّ كلمة ترسم حدودًا بين الولاء والخيانة.

خطابه، بنبرته المليئة باليقين، كان أشبه بظلال العصور المظلمة التي استخدمت الدين ستارًا لأطماعها الشخصيّة. المشهد كان خليطًا غريبًا من الهزل والجدّيّة، من القوّة والخداع، كأنّ الجالسين أمام أسقف لم يكن سوى رجل سلطة متنكّر في عباءة الروحانيّة، يستخدم كلّ ما أوتي من حيلة ليبقى على العرش.