القمص بطرس البراموسي
باحث في تاريخ الأقباط وعلم الليتورجيات
عندما نتحدث عن التسبحة الكيهيكة وخاصة في كلامنا عن الثيؤطوكيات.. لا بُد أن نذكر السيدة العذراء والدة الإله (الثيؤطوكوس qeotokoc)، والتي جاءت منها كلمة ثيؤطوكية (أي تمجيد لوالدة الإله).
وهنا لابد أن نذكر سر التجسد الإلهي، الذي تم من خلال السيدة العذراء كُلية الطُهر والنقاء.
* فشخصية السيدة العذراء لها أهمية عظمى في سر التجسد.. فسر التجسد الإلهي لا يمكن أن نلمسه أو نحسه، ونأخذ بركته في حياتنا.. إلا بعد إدراك فهم الاتحاد الإلهي بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، وهذا الاتحاد هو الذي حدث في المعمل الإلهي (أي بطن السيدة العذراء).
* ولأن سر التجسد هو أساس كل الأسرار المسيحية، فعيد البشارة نسميه "بكر الأعياد" – لذلك تفنن أنبياء العهد القديم بوحي الروح القدس لهم في إلقاء وتسليط الضوء على هذا السر العجيب، وذلك من خلال وصفهم للسيدة العذراء "السماء الثانية".
* وهذا ما نجده واضحًا جدًا في ثيؤطوكيات التسبحة اليومية (السبع ثيؤطوكيات أي ثيؤطوكية لكل يوم من أيام الأسبوع)
رموز السيدة العذراء في الثيؤطوكيات
(1) التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية: (ثيؤطوكية الأحد)
هذا التابوت كان مصنوعًا من خشب لا يسوس، ومصفح بالذهب من كل ناحية.. فهذا الخشب الذي لا يسوس يرمز لطهارة السيدة العذراء، والذهب هو رمز لللاهوت.. وهذا يرمز إلى أن كل العطايا السماوية هي ليست من طبعنا الخشبي (الذي يمكن أن يسوس ويفسد)، ولكنها هي هبة سماوية من الذهب الذي يغطي طبيعتنا الفاسدة، وهذا ما قيل في بشارة الملاك: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَلّلُكِ" (لو1: 35) ومن هنا نستطيع أن نضع أمام أعيننا كل حين أن: الطهارة نعمة إلهية مرتبطة بوجود الله معنا كل حين.
(2) المجمرة الذهبية: (ثيؤطوكية الأحد)
هذه المجمرة هي رمز للسيدة العذراء.. فالذهب يرمز لطهارتها، والمجمرة نفسها حاملة جمر اللاهوت.
هذه المجمرة لم تحترق بوضع الجمر المحمى بالنار داخلها – مثال: لأن بطن السيدة العذراء لم تحترق عندما حل اللاهوت داخل بطنها وقدسها، وأخذ الإله منها جسدًا.
والمجمرة أيضًا نستخدمها في كل الصلوات الليتورجية.. هكذا يعطينا السيدة العذراء مثالًا لأن طريق العلاقة القوية مع الله هي الصلاة.
(3) السلم الذي رآه يعقوب: (ثيؤطوكية الأربعاء ، السبت)
هذا السلم الذي رآه يعقوب كان ثابتًا على الأرض، ومرتفع حتى السماء، والملائكة نازلة عليه.. "وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِوَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا" (تك28: 12).
كان السلم رمزًا للسيدة العذراء الذي استخدمه الله لينزل من السماء من طبيعته اللاهوتية، ثم بعد ذك أصعد طبيعتنا البشرية الساقطة إلى السماء عندما فتح لنا باب الفردوس، وأعطانا الملكوت "لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ، لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أنْ يُعطيَكُمُ الملكوتَ" (لو12: 32).
(4) باب حزقيال: (لبش ثيؤطوكية الأربعاء)
لقد رأى حزقيال بابًا مغلقًا لم يفتحه إنسان، ولم يدخل منه أحد قط.. "لأنَّ الرَّبَّ إلهَ إسرائيلَ دَخَلَ مِنهُ فيكونُ مُغلَقًا" (حز44: 2).
هذا الباب كان رمزًا لبتولية السيدة العذراء.. فلم يعرفها رجل في حبلها للسيد المسيح، وفي ميلادها المعجزي لم يفتح هذا الباب بل ظلت بتوليتها محفوظة ومصانة، كما نقول في صلاة قسمة صوم الميلاد:"وبتوليتها مختومة". فهي العذراء الدائمة البتولية مثل هذا الباب المغلق الذي لم يقترب إليه أي إنسان.
(5) عليقة موسى: (ثيؤطوكية الخميس)
هذه العليقة التي رآها موسى. "وظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب بلهيبِ نارٍ مِنْ وسطِ عُلَّيقَةٍ. فنَظَرَ وإذا العُلَّيقَةُ تتوَقَّدُ بالنّارِ، والعُلَّيقَةُ لم تكُنْ تحتَرِقُ. فقالَ موسَى:"أميلُ الآنَ لأنظُرَ هذا المَنظَرَ العظيمَ. لماذا لا تحتَرِقُ العُلَّيقَةُ؟". فلَمّا رأَى الرَّبُّ أنَّهُ مالَ ليَنظُرَ، ناداهُ اللهُ مِنْ وسطِ العُلَّيقَةِ وقالَ:"موسَى، موسَى!". فقالَ: "هأنذا". فقالَ: "لا تقتَرِبْ إلَى ههنا. اخلَعْ حِذاءَكَ مِنْ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (خر3: 2-5)
لقد كانت رمزًا للسيدة العذراء التي حل عليها الروح القدس، وامتلأت من نار اللاهوت ولم تحترق كمثال العليقة. وأصبحت بطن السيدة العذراء أرض مقدسة (مكانًا مقدسًا)، لأن الإله المالئ الكون كله ساكنًا في أحشائها وأخذ منها جسدًا إنسانيًا.