(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
من دواعي آسفي، وفي الوقت عينه من بواعث سروري، أنّني لا أفهم –ولا أقدر أن أفهم– أمورًا عديدة في الحياة. بعض هذه الأمور متعلّق بجوانب دينيّة وتديّنيّة، وبعضها الآخر متعلّق بنواحي دنيويّة سياسيّة، أو اقتصاديّة، أو اجتماعيّة، وأمّا معظمها فهو خليط ومزيج من هذا كلّه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر ثلاثة أمور فقط: قيمة المراكز والألقاب والحالمين بها (النّزعة التّسلطيّة والتّملكيّة)؛ نبرة التّعالي والأفضليّة (النّزعة الفوقيّة)؛ الكراهية والعنف والقتل (النّزعة القائينيّة).

1. النّزعة التّسلطيّة والتّملكيّة
إنّني لا أفهم جيّدًا قِيمة المراكز والألقاب (سواء كانت دينيّة، أو سياسيّة، أو اجتماعيّة)، ولا الحالمين بها والسّاعين لها –بطُرق مشروعة وغير مشروعة، إنْ لم تَرمِ إلى خدمة الآخرين والبشريّة والخليقة جمعاء.
فماذا يعني أنْ يكون المرءُ ملكًا، أو حاكمًا، أو رئيسًا، أو وزيرًا، أو مديرًا، إنْ لم يكن راعيًا ونافعًا للناس جميعًا في مصالحهم واحتياجاتهم الضّروريّة على كافة المستويات.

وماذا يعني كونُ الإنسان قائدًا دينيًّا، أو قسًا، أو شيخًا، إنْ لم يكن خادمًا لإخوته وأخواته، ولا سيّما الفقراء والمعوزين منهم؟

2. النّزعة الفوقيّة
لا أفهم أيضًا نَبْرَة التّعالي والأفضليّة التي تفوح من رائحة أفواه المغرورين المُتَعَجْرِفين، وتنبعث من نظرات أعيونهم المتعالية، وتتأرجَح مع حركات أجسادهم المُتغطِرسة.

فبحقّ السّماء والأرض وخالقهما، ألسنا كلّنا متساويين أمام وجه الخالق؟
وأنّ هذا الخالق لم "يمت" بعد؟
وأنّنا لسنا بأيتام؟
وأنّ الأفضل فينا هو التّقي المتواضع، والمحبّ الرّحيم؟

3. النّزعة القائينيّة
وأخيرًا، لا أقدر أن أفهم حقًّا كَمّيّة الكراهية والعنف والقتل المتخلّلين في أعماق البشر، والسّاكنين فيهم، والمتغذّين على رماد نارهم، إلّا بقبول حقيقة "الخطيئة الأصليّة" المتأصّلة في كيانهم من جرّاء حرّيّتهم، وبقبول "النّزعة القائينيّة" المميتة التي لا زالت تنجب على الأرض أبناء وأتباعًا لقائين قاتل أخيه هابيل.
وفي هذا السّياق عينه، يجدر بنا تذكُّر كلمات المجمع الفاتيكانيّ الثّاني القائلة: «وإذا نظرنا نظرةً أعمق رأينا أن هذه الفوضى ناتجة عن كبرياءِ البشر وأنانيتهم اللتين تفسدان أيضًا المناخ الاجتماعي. وحيث تنال نتائجُ الخطيئة من نظامِ الأمور الطبيعية، فالإنسان الذي يميلُ إلى الشر منذُ ولادته، يجدُ دوافعَ جديدةً تدفعه إلى الخطيئة: ولن يتمكن من التغلب على ذلك إن لَم يبذل جهوداً جبارة وإن لَم تسانده النعمة» (دستور راعويُّ "الكنيسة في العالم المعاصر"، بند 25).
[https://abouna.org/.../%D9%86%D9%8E%D8%AD%D9%92%D9%86%D9...]