د. منى نوال حلمى
على المستوى النفسى والاجتماعى، أدت الحرب العالمية الثانية إلى تخريب الإنسان من داخله، وشعوره بالقلق والاضطراب وعدم الأمان واليأس، والاغتراب، بل أصبحت قيمة الحياة نفسها مشكوكًا فى أمرها، ضئيلة أهميتها، ضئيلة فى مواجهة الموت، وقصف الطائرات، وأفران الهولوكست.
وجاء إنشاء هيئة الأمم المتحدة فى ٢٤ أكتوبر ١٩٤٥، ثم إعلان الميثاق العالمى لحقوق الإنسان فى ١٠ ديسمبر ١٩٤٨، كرد فعل طبيعى، يهدف إلى تجنب الحروب، وتأسيس مرجعية مشتركة لحقوق الإنسان.
وقعت على الميثاق أغلب دول العالم، وتم ترجمته إلى خمسمائة لغة، وأصبح المرجعية المشتركة الملزمة، لتحقيق حقوق وحريات وكرامة البشر، ودون التفرقة بينهم على أساس الدين أو الجنس أوالعِرق أو الثروة أو اللون أو العنصر، أو اللغة أو الأصل الوطنى والاجتماعى، أو الرأى السياسى. وبعض الدول مثل السعودية والسودان وإيران رفضت التوقيع، لأن مرجعيتها هى الشريعة الإسلامية.
أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض أن «حقوق الإنسان» أقرب إلى «الشعارات»، التى فقدت معناها، وتم تقليم أظافرها، وبتر أجنحتها، كالتماثيل المحنطة فى المتاحف، ننظر إليها بعيون الحسرة والمرارة.
بالنسبة لحقوق المرأة، فقد اعتمدت منظمة العفو الدولية ٢٠٠١، حملة سنوية «لنكتب من أجل الحقوق»، لمناهضة العنف ضد النساء، وهى تقام سنويًا من ٢٥ نوفمبر حتى ١٠ ديسمبر تحت عنوان: «اكتبوا رسالة وغيروا حياة إنسان».
وصل العالم إلى اكتشافات علمية وتكنولوجية وطبية، فى المائة عام الماضية، أكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى، ومع ذلك فإن انتهاكات «حقوق الإنسان» فى المائة عام الماضية قد أصيبت بضربات فى مقتل، لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية بل على العكس فإن ثمار الثورة التكنولوجية والعلمية تُستخدم لإعادة إنتاج وتثبيت مفاصل ما يسمى «النظام العالمى الجديد». إنها الحضارة الطبقية الذكورية العنصرية الدينية العنيفة العدوانية المسلحة، لها فى كل بلد «نسخة» مصغرة، من «الأم المهيمنة الكبرى»، تحمل حمضها النووى، وفصيلة دمها.
تشيرالتقارير والإحصاءات الدولية، على سبيل المثال، إلى أنه بحلول عام ٢٠٣٠ سيكون هناك ما يقرب من ٥٧٥ مليون شخص، يعانون من الفقر المدقع، والعجز عن الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، من تعليم وعمل وسكن وعلاج.
عندما نذكر حقوق الإنسان، فإننا نقصد الغالبية العظمى من النساء، والرجال، والأطفال، والمهمشين، والمهاجرين، والأقليات، والملونين، وضحايا الإرهاب الدينى، وضحايا الفقر، والأحوال البيئية غير الإنسانية، وعدم العدالة فى توزيع الموارد والحقوق والامتيازات، وضحايا الثقافات العنصرية، والفنون الرديئة، وضحايا غياب حريات الرأى والتعبير والفكر، وضحايا التحرش السياسى والتحرش الجنسى، وضحايا التجارة بالأديان، و«مافيا» تجارة الأعضاء، وضحايا الفساد، والعنف والوصاية الدينية، وصحوة النعرات العنصرية، والعرقية، والذكورية.
غالبية عظمى بالملايين لا يملكون من أمرهم شيئًا، إلا أجسادهم المتعبة تحت عجلات الإنتاج الرأسمالى الشرس، وعقولهم المغسولة بأفكار لا تعبد إلا رأس المال، والاستهلاك المتزايد، وتكدس الأرباح، وعرى النساء، وسلطة الرجال، وإن تسترت وراء التعاليم الدينية، والمواعظ الأخلاقية.
إن ميثاق «حقوق الإنسان» موضوع لحماية الضعفاء، الذين يحتاجون إلى مواثيق، ومعاهدات، لينعموا بحقوقه الضائعة، فى هذه الغابة المتحضرة شكلًا، الهمجية جوهرًا.
أما الأقوياء فهم فى حماية كاملة. فالحضارة العالمية السائدة مُسخّرة لحماية الإنسان القوى، وتدعيم ملكيته، وسطوته، وعنصريته، وذكوريته، وثقافته، ورفاهية حياته، وأمان واستمتاعات أطفاله وأحفاده، على مر العصور.
باسم «حقوق الإنسان» تُنتهك حقوق الإنسان، وباسم «السلام العالمى» تُشن الحروب، وباسم «الحرية» تُغتصب الحريات.
كيف للحضارة العالمية السائدة أن تنقذ حقوق الإنسان، وقد قامت وشُيدت على «سرقة وقتل حقوق الإنسان»، وتحويل كل شىء إلى سلعة، يتم مقايضتها فى السوق، حتى الإنسان نفسه.
مختصر القول: «حاميها حراميها».
■ ■ ■
خِتامه شِعر
أريد أن أكتب قصيدة
تنتزعنى من الأرض الخراب
المسكونة بالغربان
من آكلة لحوم النساء
المحتلة بالخفافيش
أقفز على الحروف والكلمات
أغتسل من لون الدم
أهرب من خنق أنفاسى
وتربص دوريات محاكم التفتيش
أريد أن أكتب قصيدة
عندما ينام ليل المدينة
تتسلل بهدوء إلى غرفتى
توقظنى من قبضة الكوابيس
تلم أوراقى وصور أحبائى
ملابسى وأقلامى وعناوين ذكرياتى
تحملنى كما حملتنى أمى
تعبر الحدود وأعين الجواسيس
أريد أن أكتب قصيدة
تأخذنى إلى جزيرة نائية
فلتت من حصار الخرائط
تبنى لى بيتًا صغيرًا
مصنوعًا من أغصان الشجر
تتركنى فى رعاية البحر
وأمان ضوء الشموع الأزرق
أسبح وأرقص وأغنى
وأكتب قصائدى
على وجه القمر
نقلا عن المصرى اليوم