ماجد سوس
    يقول سقراط أن "الصداقة كالصحة، لا نشعر بقيمتها حتى نفقدها". اما فولتير فيقول إن "الصديق الحقيقي هو الذي يجعل حياتك أكثر إشراقًا، دون أن يُطفئ نوره نورك" وقد بالغ أرسطو في وصفها قائلا "أن الصديق روح واحدة في جسدين". فهل أخطأ هؤلاء الفلاسفة العظام أم زمانهم غير زماننا.

فما نراه الآن شيء لا يصدقه عقل، فبعد أن كانت الصداقة هي أسمى العلاقات الإنسانية على الإطلاق صارت قنابل موقوتة. وبعد أن كانت تقوم على المحبة والوفاء، وتُبنى على الثقة المتبادلة والذكريات المشتركة، تجدها تتحطم وتتحول مصدراً للألم والخيانة.

ولِما العجب فمع انتشار الخلافات الأسرية وارتفع معدلات الطلاق في العالم تتذكر معها كلمات الرب يسوع حين قال "ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها»." (لو 12: 53). فكيف لا ترى هذا بين الأصدقاء أيضا.

ونحن لا نتوقع من هؤلاء أن يكونوا كاملين، لكنا نترجى فيهم أن يكونوا أوفياء لعهودهم ووعودهم. لقد فجأتنا الحياة بأولئك الذين وضعنا ثقتنا بهم وخذلونا، وحين انتظرنا دفاعهم عنا وجدناهم أول من ألقوا علينا بحجارتهم وجاءت من لدنهم أولى طعنات الغدر وخيانة العشرة.

وما اشد قسوة في هذه الدنيا، ان يكون مصدر ألمك من حبيب أو صديق كنت تعتبره الأقرب إلى قلبك من وريدك، ممن سار معك في درب الحياة بهضابها وسهولها، بصعابها ويسرها، بحلوها ومرها، بكل تفاصيلها من نجاحات وإخفاقات. حين أيقظتك يوما لترى من ظننته سترك في ضعفك هو من يشهر بك ومن عرفته كاتم سرك هو من يقضحك.

لقد امتلأت المحاكم وأقسام الشرطة، بل ووسائل التواصل الاجتماعي بالأقرباء والأصدقاء الذين كانوا احباب الأمس، أعداء اليوم. فليس بغريب أن تجد منهم من يدعي عليك ظلما بما لم تفعله أو بما لم تقله وعبثا أن تدرأ بنفسك عما يدعيه لأنه لم يعد يصدقك كعهدك به، بل صار أشد قسوة من اعداءك إن وجدوا.

بكل أسف، الصداقة الحقيقية أضحت وجودها في حياتنا أمراً نادراً للغاية في ظل هذا العالم الغارق في بحور الشر، فغالبية من نلتقيهم في مسيرتنا في هذه الحياة ليسوا سوى أناس يبحثون عن مصالحهم فينا، وحين تنتهي، ينتهي وجودهم في حياتنا. تراجعت قيم الصدق والإخلاص وأصبح نادرون من يبادلونك حب غير مشروط وقليلون من يلتزمون بعهود قطعوها على أنفسهم أن يبقوا أمناء إلى النهاية.

علينا أن نعيد تعريف الصداقة في أيامنا هذه. وأن نختار بحذرٍ من نمنحهم ثقتنا، وألا نُسرف في إعطائهم أسرارنا، ونحرص أن نختبر تلك الصداقة باستمرار وعلينا أن نعي جيدا أن الصداقة الحقيقية لا تحتسب بمدتها أو ذكرياتها المفرحة إنما بأثقالها الصعبة التي كان يحملها الحبيب او الصديق معك وليست تلك التي تشعر فيها أن القريبَ بعيدٌ.