أحمد الخميسي  

حوار ايهاب مصطفى.
-القصة القصيرة حية ومؤثرة كما كانت منذ أن نشأت لدينا في عشرينيات القرن الماضي على يدي يحيي حقي وطاهر لاشين وتوفيق الحكيم وغيرهم، ربما أنها ليست منتشرة مقارنة بالرواية ولا تلقى المساحة الكافية والرواج الذي تجده الرواية الآن، نعم. لكن علينا الآن ودائما أن نفك الرابطة بين الرواج والفن، على سبيل المثال فإن أجمل وأروع القصص أو حتى الروايات ليست هي الرائجة، ذلك أن هناك قانونا للانتشار ليس مرتبطا بالحتم بفنية العمل الفني، وفي ذلك السياق أذكر أنه كان ثمت كاتب في الستينيات يدعى عزيز أرماني، له رواية باسم" خذني بعاري" تحولت إلى فيلم، وكانت رواياته توزع أضعاف ما توزعه روايات محفوظ! فهل كان ذلك الرواج دليلا على الفن؟! أنتهى من هذا إلى أن رواج أو عدم رواج القصة القصيرة لا يمس لا دورها، ولا أهميتها، ولا قوة أدائها. وعلينا هنا أن نتذكر أن القصة القصيرة ظهرت بعد رسوخ فن الرواية بنحو قرن كامل، ظهرت لأنه ما من شكل سردي آخر يسد الاحتياج الذي تسده القصة القصيرة.     
 
-بالطبع ستصمد القصة القصيرة، ذلك أنه لا الجوائز تخلق الأدب، ولا الأدب يكتب من أجل عيون الجوائز، وقد تقدم نجيب محفوظ بروايته " السراب" عام 1944 إلى مجمع اللغة العربية للحصول على جائزته الأدبية، لكن المجمع رفض منحه الجائزة! ولم يدفع ذلك نجيب محفوظ إلى التوقف، وفي عام 1901 تجاهلت جائزة نوبل علما كبيرا من أعلام الأدب هو ليف تولستوي، ولم يتوقف تولستوي، لأن من يكتبون لا يكتبون من أجل جوائز. القصد أن جحافل الجوائز المخصصة للرواية لم تعطل مسيرة القصة القصيرة ولن تعطلها، مع أن للمكافآت مذاقا حلوا. وسوف تستمر القصة وتزدهر مستقبلا لأنها أقرب لطبيعة العصر الذي نعيشه، زمن الايجاز والاختصار، وبهذا الصدد أذكر أن هناك قصصا قصيرة عاشت ومازالت بينما اختفت الاف الروايات، مثل قصة البدين والنحيف لتشيخوف، والقلادة لموباسان، ونظرة ليوسف إدريس. 
 
 - الذكاء الاصطناعي موضوع محير وربما مرعب بالنسبة لي، ولا أستطيع أن أجزم بشيء في قدراته، لكن بوسعي أن أعبر عن خوفي من هذا الاكتشاف. فيما مضى كنا نخاف من أن يتحول الانسان إلى آلة، الان نخاف أن تتحول الآلة إلى إنسان. الذكاء الاصطناعي مرعب، ولكني أظن أنه سيبقى من الممكن تمييز ما هو انساني مما هو اصطناعي. 
 
 - تأثير السوشيال ميديا ليس خطرا على القصة القصيرة، وعلى العكس فإن السوشيال ميديا تؤكد ضرورة الاختزال والايجاز، وهما سمتان من سمات القصة القصيرة، وفي اعتقادي أن السوشيال ميديا اذا لم تدفع القصة القصيرة للأمام فإنها لا تشكل خطرا على القصة. 
 
-المحافظة على القصة القصيرة سيكون فقط بالاهتمام بها، انظر لدينا كم صحيفة، وانظر كم صحيفة تخصص صفحة للأدب؟ لهذا فإنني كثيرا ما أحمد الله على المجهود الذي تبذله د. صفاء النجار في صفحتها مرايا الابداع، هناك صفحات أخرى في بعض الجرائد لكنها قليلة عموما، وإذا أردنا ان نحافظ على هذا الفن السردي وأن نضعه في دائرة الضوء فلا بد من الاهتمام به، أي أن نرصد له الجوائز الكبيرة. ويذكر في مجال الاهتمام بالقصة إن اليس مونرو فازت بنوبل عن أعمالها في القصة القصيرة فقط.
 
_في اعتقادي ان هناك اعتبارا مهما جدا في موضوع الاهتمام بالرواية و يتمثل في أن الرواية أيا كانت تحكي حكاية، في جوهر الرواية ترقد حكاية بشكل أو باخر، وهذا يضمن لها الحد الأدنى من الرواج، أما  القصة القصيرة فهي لحظة، وفي اعتقادي الاهتمام بالقصة القصيرة يخفت في النقد لأسباب كثيرة منها أنه تم منذ زمن طويل تفكيك الصلة بين الحركة الأدبية والواقع، الكتابة تحولت من الكتابة عن الاخرين إلى الكتابة عن الذات، والحالة المزاجية، بهذا الصدد أتذكر ما قاله بريخت:" اذا لم تهتم كلماتي بالناس، فلماذا يهتم الناس بكلماتي؟". الرواية تظل تكسب مساحة بفضل الحكاية، لكن القصة القصيرة تطرق الموضوع بإيجاز وبقوة، وعندما تنفصل القصة عن الواقع يبهت الكثير من ملامحها. 
 
-بخصوص النصائح للأدباء الشبان فانني أتذكر الأستاذ نجيب محفوظ عندما سألته مذيعة في برنامج تلفزيوني وقالت له:   "معروف عنك التواضع ومع ذلك ما هي نصائحك للأدباء الشبان؟". فضحك الأستاذ ضحكته الشهيرة وقال: " لكن اذا أنا قدمت النصائح فإن ذلك يهز التواضع"! تقديم النصائح مسألة صعبة، ولكن اذا كان هناك كتاب شبان ويمكن أن أتبادل الراي معهم فسأقول لهم : القراءة أولا والقراءة ثانيا وثالثا، القراءة حاضنة الكتابة، وعلى الكاتب أن يحدق بنفسه وبأحلامه وعليه أيضا أن يحدق بالواقع  وحياة الآخرين، وفي كل الحالات على الكاتب ان كانت الكتابة ستصبح مهنته أن يكتب بانتظام. نجيب محفوظ كانت له مواعيد محددة يكتب فيها، يوسف ادريس كان يكتب باستمرار. القراءة والكتابة بانتظام هما الطريق إلى الإبداع. ما عدا ذلك، أرجو ان يدرك كل من يمضي على طريق الأدب أن الكتابة عمل شاق وبلا مردود، وان المكسب الوحيد من الكتابة هو الكتابة نفسها.