طارق الشناوي
عندما يذكر اسم الكاتب الكبير «نجيب محفوظ»، يقفز على الفور فى البؤرة الأديب نجيب محفوظ، أهم وأشهر مبدع عرفته الثقافة العربية قبل وبعد حصوله على نوبل ١٩٨٨، هذا الوجه المضىء لنجيب محفوظ ككاتب روائى يخفى خلفه وجهًا آخر، ربما كان أقل حضورًا عند الجمهور، إلا أنه وجه مبدع وخصب ورائد.. أتحدث عن الكاتب الدرامى نجيب محفوظ، الذى منح السينما وهى لا تزال فى مهدها، العديد من إبداعاته.
لم يقصد نجيب محفوظ أن ينافس كُتاب السيناريو، ولم يسع لأن يصبح طبقًا لاستفتاء رسمى تم إجراؤه قبل نحو ثلاثين عاما، ثانى أهم كاتب سيناريو للسينما المصرية. أعماله السينمائية- أقصد الأعمال التى كتبها مباشرة للسينما- لم تتجاوز ٢٤، لا أتحدث عن روايات نجيب محفوظ التى قدمتها الشاشة له وعددها يربو على الأربعين ولا يزال الرقم قابلا للزيادة.
وهو ما صعد به طبقًا لنفس الاستفتاء إلى المرتبة الأولى بين كل الروائيين الذين استعانت بهم السينما لتقديم رؤية أكثر غنًى وإبداعًا، مثل الثلاثية (بين القصرين- قصر الشوق- السكرية»، و«زقاق المدق» و«بداية ونهاية» و«الطريق» و«السمان والخريف» وغيرها، حتى قصته القصيرة «المعجزة» نسج منها مؤخرا المخرج الشاب عبد الوهاب شوقى خيطا دراميا، ليقدمها فى فيلمه القصير «آخر المعجزات».. اعترضت الرقابة على عرضه فى افتتاح مهرجان الجونة، وتلك حكاية أخرى.
وجهت لى دعوة غالية من مجمع اللغة العربية لإلقاء محاضرة عن نجيب محفوظ والسينما. شرفت أن أذهب لأول مرة لهذا الصرح الكبير، وارتديت على غير عادتى فى مثل هذه المناسبات بدلة ورابطة عنق، كانت تجرى أعمال طلاء للحوائط، ولأننى كنت مسرعا وأنا فى طريقى للندوة، لعبت البدلة دور البطولة فى المساعدة على سرعة تنشيف وتنظيف الكتل البيضاء الزائدة على الجدران، لم يؤثر هذا أبدا على سعادتى مشاركا الأساتذة الكبار د. محمود الربيعى ود. محمود عبد البارى ود. حسين حمودة، اللقاء. قلت للحضور: هل أتناول الأعمال التى كتبها مباشرة للسينما أم تلك التى كتب لها السيناريو عن روايات لكاتب آخر؟.
الإبداع السينمائى المباشر للسينما تمثل فى العديد من الأفلام التى وضع لها حجر الأساس، من خلال القصة أو المعالجة الدرامية مثل «ريا وسكينة» «بين السماء والأرض» «الوحش» «الفتوة» «جعلونى مجرمًا» وشارك أيضا فى كتابة «الناصر صلاح الدين» و«جميلة» وغيرهما. السينما منحها إبداعه الدرامى والأدبى، بينما منحته انتشارًا، ما كان من الممكن أن يحظى به، لو أنه اكتفى فقط بقارئ الرواية.
نجيب محفوظ لم يرضَ عن أغلب أعماله السينمائية، أقرب فيلمين إليه «بداية ونهاية» صلاح أبو سيف «وخان الخليلى» عاطف سالم. الكاتب الكبير كان يحرص على ألا يدخل فى صراع مع السينمائيين، ويقول دائمًا لمن يتساءل عن العلاقة بين روايته الأدبية وما عرض على الشاشة، بأن مسؤوليته لا تتجاوز فقط الكتاب.. ومن يريد أن يحاسبه، عليه أن يعود إلى القصة المنشورة.. ولم يعلن اعتراضه سوى مرة واحدة على فيلم «نور العيون» إخراج «حسين كمال» ووثقت هذا الاعتراض فى حوار منشور على صفحات مجلة «روز اليوسف» ١٩٩١!.
علاقة نجيب محفوظ بالسينما شهدت أيضًا الموظف الكبير نجيب محفوظ؛ حيث كان رئيسًا للرقابة عام ١٩٥٩، ثم رئيسًا لمؤسسة السينما مطلع الستينيات.. وخلال ذلك، تميز الرقيب نجيب محفوظ بقدرته على أن ينحاز للحرية، مهما كبّده ذلك من معاناة، وعندما تولى مؤسسة السينما أوقف تعامل السينمائيين مع أعماله حتى يضمن العدالة.
نجيب محفوظ والسينما وجه آخر للإبداع عند أديبنا الكبير.. منح للسينما عمقًا وإبداعًا وألقًا وفكرًا.. ومنحت السينما لأعماله الذيوع والانتشار لتعيش أفلامه فى ذاكرة الحياة وتتجدد مع الزمن على كل الشاشات، أما بدلتى الزرقاء التى حملت خطوطا بيضاء بفعل طلاء جدران المجمع، فلقد ازدادت جمالا وجاذبية، واكتشفت أنها صارت (ع الموضة)!.
نقلا عن المصرى اليوم