بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر


تُدعى العذراء مسكن العلي من حيث أنّ المسيح حلّ فيها، هذا يُعيدنا إلى ما سبق وقلناه من أنّ العذراء هي بيت الله (تك 28: 17)، ولكن هل ترمز (الخيمة-المسكن) والمسماة أيضاً خيمة الاجتماع (خر 33: 7 ـ 11) إلى العذراء مريم؟

في العهد الجديد تُعتبر الخيمة رمزاً للمسيح (عب 9: 11)، والسماء (عب 8: 25، 9: 23، 10: 1...) ورمز للكنيسة أيضًا: "في الصباح ارتقى موسى الجبل، ورأى الكنيسة مبنية، وبناؤها حسن لأنها بالروح القدس مبنية. فنزل وصنع على غرارها خيمة الاجتماع لإسرائيل".

"إنّ خيمة إبراهيم الجميلة التي دخل الله وحلّ فيها، والشجرة الحاملة الكبش التي قُدّم بدل اسحق، والقصر الجديد الذي في البرية، كلّها كانت تشير إليكِ وتصوّر مثالك" .

غالباً ما توصف العذراء بأنها قصر نسبة إلى المسيح الملك (رؤ 19: 16، مت 27: 11)، فعادة الملك أن يسكن في قصر، فيقول في موضع: "طوبى لك يا قصراً مكلّلاً لأنك استقبلت مهندس العلى." (شح 84). ولكن ممّا يلفت الانتباه أعلاه هو قوله القصر الجديد الذي في البرية.

مريم السفينة:  
إن هذا التشبيه محبّب جدًا إلى قلوب الآباء السريان، فإنهم يدعون مريم سفينة عجيبة حملت مخلّص العالم، كان يسوع يخرج إلى الناس ويكلمهم من السفينة (مر 4: 1)، وهو الكلمة الذي خرج من أحشاء العذراء السفينة.

    سفينة حملت وبجّلت القبطان سيد الكائنات، بيد أن المسيح هو رب السفينة (يون 1: 5ـ6). ولا بد من الإشارة إلى أنّ السفينة هي أيضاً الكنيسة لا سيّما عند الحديث عن الأنواء والاضطهادات، وهنا بالأكثر يكون المسيح قبطان السفينة.

كانت مريم سفينة الحياة في هذا العالم، وكان المسيح الملاّحَ الذي نزل وحلّ فيها، فبلغت ووصلت إلى ميناء الأفراح، وأعطت ثروة سماوية لأبناء آدم، "إنّها سفينة الحياة لأنّها كانت تحمل الحياة الجديدة" (يو 11: 25)، سفينة مزيّنة حلّ فيها التاجر، سفينة حملت الخيرات والكنوز من بيت الآب وجاءت وأفرغت ثروةً في بلدنا الذي كان فقيراً .

إنّ مريم التي كانت تحمل الشيخ العتيق والأقدم من الدهور، تجيب بتواضع كما عهدناها وتدلّنا إلى ابنها: "لستُ أنا من يحمل الابن، بل هو الذي يحملني ويدبّر الأقطار".

أمّا تشبيه السفينة هذا فنقرأه في (أم 31: 9ـ31)؛ حيث يقول: "امرأة فاضلة من يجدها لأنّ ثمنها يفوق اللآلئ. هي كسفنِ التاجر. تجلب طعامها من بعيد. وتقوم إذ الليل بعد وتُعطي أكلاً لأهل بيتها وفريضةً لفتياتها

كما توجد شروحات لتلك الأيقونات لتشبيهات تُنسَب للعذراء في بعض النصوص الليتورجية، مثل: سلم يعقوب، والعليقة، وجزّة جدعون (قض6: 37-40)، والملكة، وبنت الملك، والعروس، والمحبوبة (مز44: 10- 16؛ نش كله)، والعصا (من أصل يسى، من داود) (إش11: 1-10)، باب السماء، باب الملك، الباب الذي يتعذر اجتيازه (حز43: 27- 44: 4)، تابوت العهد (خر25: 10- 16، 37: 1-9، مز131: 8)، فلك نوح (تك6: 13- 22)، المركبة الشيروبيمية (2مل2: 11- 13)، السحابة المنيرة التي كلّم الله موسى منها (خر19: 9؛ 16- 18)، خدر سليمان (نش3: 7و8)، الآتون الروحي (الثلاثة فتية) (دا 3: 19- 30)، الحوت (يون2)، الفردوس الروحي (تك2: 8إلخ)، عصا هارون (عد17: 16- 26)، قضيب البر (مز44: 7)، ينبوع الحياة أو الينبوع من الصخرة أو الينبوع المختوم (خر17: 1- 7؛ نش4: 12)، لوحا العهد (خر20)، العرش الناري أو الروحي (حز1: 4إلخ؛ خر19: 18)، شجرة الحياة (تك2: 9)، صهيون (شواهد عديدة)، الجبل المقدس (خر24؛ دا 2: 33و34، عب3: 3).

وقد شرح الآباء القديسون علاقة إشارات العهد القديم بالسيدة العذراء، واهتموا بكشف معانيها الرمزية العميقة. ومن أعجب الإشارات تلك المقارنة بين والدة الإله وحوت يونان، فقد فسر الآباء إقامة يونان في بطن الحوت، ثم خروجه منه بعد ثلاثة أيام كنبوءة عن موت المسيح ودفنه ونزوله إلى الجحيم وقيامته في اليوم الثالث، وبالتالي فإن بطن الحوت يرمز إلى بطن السيدة العذراء التي تجسد فيها الرب، فكما أوى الحوت يونان هكذا أوت والدة الإله الرب يسوع في بطنها حتى ولادته!