نسيم مجلى
على مدى الخمسمائة عام الأخيرة، ظل طبيب القرن السادس عشر الفرنسى، ميشيل دى نوسترامادوس، ونبوءاته الغامضة المدهشة، يلقى بسحره على أجيال من القراء. وقد اعتقد كثير من مفسرى نبوءاته أن اليوم الأول من السنة الجديدة أي سنة (2000) سوف يرى نهاية العالم. فهل مرور ذلك اليوم بسلام أظهرنوستراداموس كدجال، أو أنه قد أسىء فهمه؟ فى الألفية الجديدة، الحافلة بالأحداث الدرامية على مستوى العالم والتى تلقى أضواءا جديدة على نبوءاته، يكون قد حان الوقت لإعادة تقييم الرجل وأسطورته.
لقد فرضت الأقدارعلى نوسترادموس أن يعيش حياة مزدوجة. فقد ولد فى عام 1503 لوالدين من اليهود تحولا الى المسيحية، وصارهو بارعا فى فنون الفلك وقراءة المستقبل التى كانت ممنوعة أنذاك، واختار أن يشتغل بمهنة الطب ليخفى حياة الظل عن عيون رجال الدين المتعصبين فى ذلك الوقت.
فهو طبيب مسيحى بالنهار، وفلكى يهودى ومنظر وثنى بالليل. خاطر بحياته ونشر كتابا مسلسلا يحتوى على ألف نبوءة بين عامى1555 و1561 عن المستقبل وصار هذا الكتاب من أكثر الكتب رواجا في وقته. ونجاحه فى التنبؤ بأحداث عصره جعل نوستراداموس حديث رجال البلاط فى أوربا. ففاز بالدعم واكتسب عداوة أقوى الرجال فى فرنسا. وفى الوقت الذى أغدقت عليه ملكة فرنسا ألوانا عديدة من التكريم ألقى عليه قضاة محكمة التفتيش ظلألأ سوداء ملوحة له بأعنف التهديدات.
واحتفالا بمرور خمسمائة عام على ميلاد نوستراداموس، قام جون هوجو بدراسة حياة وتراث هذا العراف الفرنسى دراسة تفصيلية دقيقة تتسم بالبصيرة الثاقبة فكشف الكثير من المعلومات التى لم يعرف عنها إلا القليل ولم تنشر بالإنجليزية من قبل وذلك في كتابه:
نوستراداموس: الرجل والأسطورة
وهى السيرة الكاملة لواحد من أشهر الشخصيات في التاريخ الأوربى على مدى الألف عام الأخيرة. والمؤلف جون هوجو John Hogue هو كاتب متخصص فى مواضيع قراءة الطالع، والبراسيكولوجى، والتصوف والنبؤءات. مما يجعله مرجعا عالميا عن نوستراداموس. ولأنه مؤلف أكثر الكتب رواجا، بما فيها كتاب "نوسترادموس: النبوءات الكاملة" ، وكتاب"نوستراداموس: الألفية الجديدة." وقد حققت له هذه الأعمال شهرة عالمية- فطبعت كتبه فى سبعة عشر لغة وباع أكثر من مليون نسخة على مستوى العالم. وظهر فى أكثر من سبعمائة برنامج فى الإذاعة والتليفزيون فى ثلاث قارات.
وعن هذا يقول المؤلف إن كل عصر كان يرى نفسه منعكسا فى التفسيرات المختلفة لنبوءات نوستراداموس. وفى القرن العشرين تم استخدامه كسلاح فى الدعاية عن طريق المعسكرين فى حربين عالميتين، ومع قدوم القرن الحادى والعشرين، أصبح عمود نور لكثير من عوامل القلق والأمل فى هذه الألفية. لكن من هو هذا الرجل الذى يقف خلف الأسطورة؟ ومن الذى اكتشف الحياة المزدوجة لنوستراداموس:
الأسطورة والحقيقة -الطبيب المسيحى والفلكى اليهودى – جذوره الدينية
طبيب الجدرى- سمعته فى شفاء المرضى، ومأساته كرجل أرمل – فقده لأسرته، النبى ونبؤاته. يقظة الموهبة: االتأليف وأول محاولة لنشر النبوءة، الثقة الملكية – حظوته لدى ملكة فرنسا – شهرته خارج القبر.
الظاهرة الكونية – نبوءات الحروب العالمية والهجوم الإرهابى على مدينة نيويورك فى الحادى عشرة من سبتمبر.
والكتاب من منشورات HarperCollins Publishing 2003
www.hogueprophecy.com
والمؤلف يطرح هذا السؤال:هل كان نوستراداموس دجالا أم كان عرافا حقيقيا؟
هناك أمر واحد مؤكد: إنه يمكن القول بآمان أن الرجل الذى دشن ظاهرة نوستراداموس قد صنع خيرا على الأقل بواحدة من ألف وخمسمائة نبوءة أو أكثر، إذ جاءت الشهرة الأعظم والطويلة الآن بعد موته. فالواقع يشهد أن آخرته بعد موته فى سنة 1566 جعلت اسمه أكثر شهرة وبقاء عما كان عليه فى أثناء حياته. ولا يمكن لأحد حتى من أشد ناقديه الكاشفين لحقيقته أن ينكر أن نوسترادموس هو واحد من أفضل الشخصيات التاريخية على مدى الألف عام الأخيرة.
ففى الحادى عشر من سيتمبر 2001 عادت المناظرة حوله وطرحت للبحث على مستوى العالم، فما كاد برجا التجارة العالمى يسقطان فى شكل سحب من الركام حتى أذاعت وكالة رويتر نبوءة تنسب إلى نوستراداموس عن سقوط جبال جوفاء تسقط فى "مدينة يورك". إن سطور النبوءة المقصودة تشبه الكثير مما نعرفه عن نوستراداموس الرجل. كانت عبارة عن مزيج من الأسطورة والحقيقة، سطور ملتوية مثل "مدينة يورك"التى تجذب الناس إليها، إلا أنها قد نسجت بسطور مأ خوذة من نبوءتين من نبوءات نوستراداموس- نفس النبوءة التى ظل المفسرون، على مدى حقب طويلة، ومنهم مؤلف هذا الكتاب، يعتقدون أنها تشير إلى هجوم نووى إرهابى آخرعلى الحى التجارى فى منهاتن. بنيويورك
تقول النبوءة: سوف تشتعل السماء نارا عند خط عرض 45 درجة، وتقترب النار من المدينة الجديدة العظيمة. وفى الحال تققز ألى أعلى شعلة هائلة مبعثرة من اللهب، فى الوقت الذى يريدون فيه التحقق من النورمانديين. وتقترب النار من المدينة العظيمة التي تعتبر حديقة العالم القريبة من المدينة الجديدة فى طريق الجبال الخاوية:
سوف تمسك بها النيران وتغرقها فى أتون يغلى
ونشرب بالقوة الماء المسمم بنشرات السلفا.
عندما يكون لديك إثنان من النداءات لكنها تمثل نبوءات عامة وتحتوى على صور مثل " نار تقترب " من " مدينة جديدة " عند "خط عرض 45 درجة " فى " طريق " " جبال جوفاء" بالقرب من "حديقة العالم " – فإن نيران الغضب يمكن أن تشتعل – خصوصا إذا طابقت حقائق اليوم لكى تربط بارتياح نقاط الكلام الطنان لنبوءات ترجع إلى 450 سنة مضت لكى ترى ماتريد أن تعرف.
هل يصح لنا أن نرفض هذا على أعتبار أنه من قبيل الصدفة أن "نيو" يورك تقع بالقرب من خط عرض45 درجة، أوأن طائرة البوينج 757 التى اختطفها الأرهابيون انطلقت نحو البرج الشمالى لمركز التجارة العالمية فى شكل كتلة لهب هائلة بزاوية 45 درجة؟ هل كان قانون الصدفة يستغفل عقلية نبوية عطوفة عندما مرت الطائرة الثانية المخطوفة فوق ولاية نيوجيرسى، المعروفة بأنها "الحديقة " ومالت بسرعة خاطفة نحو البرج الجنوبى لمركز التجارة "العالمى" المقام فوق ممر النفق السفلى قبل اصطدامها بالقمة الثانية "للجبال الجوفاء" التى شيدها الإنسان.
هل جرى تلقيننا بفعل جيل ثانى من الدجالين والأدعياء الذين يطبعون أحداث عصرهم فوق هذيان غامض أم أن شيئا ما أكثر من الصدفة جعل كل برج يبدو فى لحظة إنهياره وكأنه قد وقع فى قبضة قوة جبارة غير مرأية أغرقته فى أتون من سحب الركام التى كانت تغلى؟
هل كان النورمانديون Normans شفرة سرية ترمز إلى النورمانديين (الذين جاءوا من وسط أوربا ودمروا الحضارة الرومانية) فى الماضى أم أنها إشارة إلى عملاء المخابرات الفرنسية الذين كانوا حتى يوم 10سبتمبر يحذرون معارضيهم فى وشنطن من هجوم ارهابى وشيك الوقوع على أمريكا؟
إن الكلمة التى استخدمها نوسترادموس لمعنى مرجل أو غلاية هى cuue cuve فى الفرنسية الحديثة. وهى تعنى أشياء أخرى أكثر من مرجل أوغلاية مثل tank أى خزان ماء أو tubحوض حمام. هل يحق للمتشكك أن يرفض استخدام هذه الكلمة على سقوط البرجين؟ هل يحق له أن يقول هازئا أن نوستراداموس كان يتنبأ بوقوع كارثة مستقبلية فى حمام سباحة، جاكوزى. أليس ثمة شىء يقلق مثل هذا العقل الثرثار حين يكتشف أن مركز التجارة العالمى كان مبنيا فوق صندوق هائل على شكل مثلث من الأسمنت على أرضية لاتسمح بتسرب الماء water tight floor، وحوائط تعرف بأنها الحوض.
ويمكن القول أن نوستراداموس قد غرس بذرة نوستراداموس الأسطورة في أبريل 1554 حين اعتقد الناس أن سكرتيره ٌقد أخذ في نسخ تاريخه الغريب للمستقبل. لقد ولدت الأسطورة بعد اثنتى عشرة سنة 1566؛ حين أودعت الأسرة جثمانه خلف حائط كنيسته المفضلة خارج المدينة. منذ ذلك اليوم بدأ نوستراداموس يتمتع بحياة بعد الموت. ففي حياته عانى من فوضى أدبية كان من الممكن أن تحول الرباعيات الغائمة والجمل الثرية الطويلة بطول نصف صفحة الخاصة برواية النبوءات إلى لوحة أي (صفحة بيضاء) ليعكس عليها كل جيل من المفسرين أماله ومخاوفه وتوقعاته.
أكثر من هذا، وعلى مدى قرون الأن، فقد راح كتاب السير والذين يصدقون عميانا وناشرو كتب الفضائح debunko ورجال الدعاية يساعدون في نشر تراثه في النبوءات بطريقة غير دقيقه. وبهذه العملية ضاع الرجل وحياته تحت الظلال العملاقة التي ألقت بها نبوءاته الجدلية لذلك فإننا نسأل من هو نوستراداموس؟
لقد أشعلت الألفية الجديدة يوم 11/9 والهجوم الإرهابى على برجى التجارة بنيويورك المناظرة حول تأثير هذا الرجل ونبوءاته، ولايوجد وقت أفضل من هذا الوقت لإطلاق أحد الكتب الذى يعيد ما نعرفه عن نوستراداموس الإنسان. هذا الكتاب الذى بين أيدينا هو أول وأكمل سيرة ذاتية بل وإعادة تقييم لتاريخ ستين عاما. نشر هذا الكتاب في احتفال الخمسمائة عام بمولد أشهر الأنبياء، واكثرهم إثارة للجدل.نوستراداموس.
ولد في بلد ملوك التروبادور:
يقال أن جده يهودى أسبانى ولا يعرف الوقت الذى تحرك فيه أسلافه نحو منطقة بروفانس من كاركاسون . كان انتقالهم بفعل كلمة قالها واحد إن هناك انفتاحا محددا لإقامة اليهود في أراضى آخرملوك التروبادور، رينيه الصالح (1459-1480) وهو حاكم متسامح يحب أن يرتدى طاقية اليهود وأرواب غريبة تنتمى إلى بيت أنجو. وكانوا يتبنون كثيرا من الإختلافات الثقافية في الوقت الذى كانوا فيه يشيدون قلاعا صليبية في الأراض المقدسة. لقد جمع رينيه كثيرا من المغاربة والمسلمين بين رجال بلاطه. ومرسومه الذى أصدره 1454 منح اليهود فى بروفنس حرية ممارسة التجارة والقانون والطب.
فمن الممكن أن يكونوا كتاب عقود أو وكلاء ماليين وأن يمارسوا ديانتهم. ومن المحتمل أن عائلة جيسون Guesson قد انتقلوا إلى بروفانس قبل منتصف 1450. وقد انتهى التسامح مع اليهود بموت تشارلس of Maine آخر سلالة أنجو سنة 1480. في 1488 أمر تشارلس الثامن ملك فرنسا يهود بروفانس أن يتعمدوا في ظرف ثلاثة شهور ويعيشوا فى مملكة بروفانس أوعليهم أن يتحملوا عقوبات شديدة. اختارت عشيرة نوستراداموس كلها أن يعتمدوا في العلن ويتظاهروا انهم مسيحيون ويحتفظوا بعقيدتهم اليهودية سرا.
وفد شجعته أسرته على توجيه فطرته وفطنته نحو الطب وفنون العلاج. وربما استنتج جان دى ريميه أن حفيده قد قرر لنفسه حياة مغايرة ربما حياة فلكى أو طبيب محترم. كان بيت نوستراداموس مركز النشاط في المدينة لأن جيوم نوسنراداموس كان كاتب العقود العام وكاتب المحكمة في المدينة، يحتل مركزا هاما في كتابة خطابات ومراسلات سانت ريميه. كان واحدا من الراشدين القلة في المدينة ونواحيها الذين يستطيعون القراءة والكتابة حتى بين طبقة النبلاء، وكان البرجوازيون يمرون بعتبته طالبين أن يكتب لهم مراسلاتهم.
كانت لغته الأولى شعرامن شعر بروفنسال الهيولى وهى لهجة فرنسية لاتينية.
تقول شقيقته جان إن ميشيل كان يملك ذاكرة فوتوغرافية تمكنه أن يفهم معانى كل الطرق الموصلة للحقائق الغريبة التي كانت تستهويه. جان شجعت موهبة ميشيل الغامضة على التنبؤ، وأضافت أن موهبة الأسلاف جاءت من ناحية جدودها العظام لأمها. لقد استطاعت جان أن تقنع والدى ميشيل أن يتركا الصبى يعيش قى بيتها حيث يستطيع أن يتعلم فن الرياضة، وأن ينعلم قراءة اللا تينية واليونانية والعبرية. ويقال إن التلميذ قد أظهر مقدرة متفوقة في الرياضيات وكذلك تمكن من العلوم الفضائية كالتنجيم والفلك.
اعتاد الجد أن يصحب ميشيل للمشى على الطريق خارج سانت ريميه أو بالقرب من التلال أو لزيارة أثار جلانوم اوما كان يعرف بالأثار ممثلة في بقايا قوس رومانى رشيق فيه ثراء العمارة اليونانية بجوار برج قائم على أعمدة ضريح لاتينى.
وفي المساء كان الجد يتخلص من مظهره العام كمسيحى تقى ويغوص فىى قراءة المعانى العميقة لتراث العائلة العبرية. كان يتكلم عن شجرة الحياة والمعرفة المحرمة. وكان يتكلم مع الصبى بأن كل من يستطيع أن يستخدم هذه الشجرة المذكورة في القابالا اليهودية سوف يصبح مدركا لنورالله.
إن ميشيل سوف يلقن أحد أسرار العائلة أن أسلافه كانوا كهنة من قبيلة Issachar، كانوا فلكيين قدامى وبارعين في التنبؤات بواسطة علم الفلك السمائى. فى العهد القديم في الأصحاح الأول يعرف هؤلاء الكهنة أنهم كانوا مهرة في قراءة علامات الوقت كى يكتشفوا ماهو الطريق الذى ينبغي على أسرائيل أن تسلكه. في العهد القديم.
( كورنثوس 1 من 12-35)
يشرح معجم سميث فولر Dictionary of the Bible هذا الكلام فيقول إنهم أنجزوا هذا باستخدام علم الهندسة والفلك لكى يروا الوقت وتنبأوا بالمستقبل بواسطة التأكد من دورات الشمس والقمر (كبس االسنة intercalation) وتواريخ الأعياد الحزينة وتفسير علامات السماء. ربما شرح جان رينيه للطفل المندهش لماذا سمح الله لجدوده باستخدام الفلك. وعندما مات رينيه أحس ميشيل نوستراداموس بالصدمة أمام لغز الموت في وقت دخوله مرحلة المراهقة وعندئذ عاد إلى بيت والده.
يقول كتاب السيرة إن جد ميشيل كان طبيبا أكثر منه تاجرغلال وأنه استمر في تعليم ميشيل الأدب الكلاسيكى والتاريخ والجغرافيا والفلك وطب الأعشاب الشعبى.
درس ميشيل الرياضة الكلاسيكية والفلسفة والنحو والخطابة تحت رقابة الكهنة، وقيل إن ميشيل كان تلميذا مجدا وله ذاكرة تستطيع أن تحفظ الدرس كلمة بكلمة بمجرد سماعه مرة واحدة. حبه للنجوم ربما دفع ميشيل للبحث عن مدخل سياسى ودينى لدراستها، وعلينا أن نذكر ان عصر النهضة ظهر فيه الاهتمام الشديد بإحياء العلوم الكلاسيكية الوثنية مع تشجيع لدراسة الظواهر السياسية والفنية.
في جامعة أفنيون كان هناك كلية طب منذ 1510 ولم يعرف القدر الذى درسه ميشيل في هذه الكلية، ولكن أحد التقارير النى خرجت من أفنيون تفيد انه أعلن صراحة انه يريد أن يكون فلكيا وتمادى إلى الحد الذى جعله يدافع عن أفكار نيكولا كوبرنيكوس ( 1473-1543) لقد سمعه زملاؤه يقول إن رجال اللاهوت يرون أن وضع الأرض في مركز الكون خطأ، والحقيقة أن الأرض تدور فوق محورها حول الشمس مع الكواكب الأخرى. لقد نطق بهذه الأقوال قبل ان ينشرها كوبرنيكس فى كتابه.
COMMENTariolus a paper that openly considered the
possiblity that the earth and the plants could orbit the sun .
من المعروف في عصر الرينيسانس ان التسريبات والتطورات التي تبرز أو تخرج من أقواه الباحثين أو في مراسلاتهم في مختلف مراكز التعليم قبل نشرها بوقت طويل كان يعطيها صفة رسمية من الناحية التاريخية. لذلك فمن الممكن ان تكون جامعة أفنيون على حق أن ميشيل نوستراداموس في اندفاعه الشبابى قد استدعى evoked اسم كوبرنيكوس وأفكاره المشاعة (في شكل إشاعات لأن نظرياته لم تكن قد نشرت بعد)
لم تكن الهرطقات الفلكية هى فقط التي يتهامس بها الطلبة في أفنيون، فقبل دخول ميشيل نوستراداموس بثلاث سنوات، أى في عام 1520 قام مارتن لوثربتثبيت خمسة وتسعين أطروحة بالمسامير على أبواب كاتدرائية ويتنبرج مدشنا عملية الإصلاح البروتستانتى، ثم أصدر البابا ليوالعاشر قرارا باباوية يدين معتقدات مارتن لوثر وأعطى مارتن لوثر ستين يوما للآنكار تحت التهديد بعقوبة الحرمان، فأحرق مارتن لوثرقرار البابا علنا ومعه مجلدين من القانون الكنسى.
وكان من نتيجة المجادلة التي أثارها ميشيل في ثورة المراهقة أن طرد من الجامعة. وربما تم إنقاذه من مواجهة أعنف مع سلطات الكنيسة بفعل "عمل إلهى" فقد انتشر الطاعون في 1520 طبقا لسجلات أفنيون فأغلقت الجامعة وعاد ميشيل إلى منزل والديه في سانت ريميه. وخشى عليه والداه أن يصبح كبش فداء في أي لحظة خلال التوترات الدينية بين الطوائف وذلك لآنه ولد في أسرة كانت يهودية سابقا. وأعطاه والداه محاضرة في فضائل الصمت والتحكم في كلامه فلم يكرر الخطأ مرتين.
لقد أراد ميشيل أن يطبق مهارته الفلكية ويسجل نتائج اكتشافاته لكن قراءة الطالع والتنبؤات بالطقس وأحزان السياسة تجعل الفلكى في أحسن الأحوال لايتمتع بحياة آمنة ماليا. كما أنه فهم حرج موقفه باعتباره مسيحى يهودى فقرر أن يصبح طبيبا. وفى هذه المهنة يمكنه أن يخفى الأسرار السياسية والدينية الخاصة تحت عباءة أو قلنسوة الطبيب وملابسه.
وخلال العقد الأخيرمن القرن العشرين، انقذ ميشيل كومارات، مدير ومؤسس جمعية أصدقاء نوستراداموس ذاكرة نوستراداموس من الضياع فقام بجمع كتابات بيوجرافية فلكية وقصص أسطورية صفراء أكثر من ألفين من الوثائق الحجية والقصاصات الأرشيفية لحياة هذا النبى. (يقصد نوستراداموس)
وحوالى 1552 اعترف ميشيل في قصيدة بكتأبه المسمى " بحث في أدوات التجميل"
(Traite des fardmens et confitures)
Atreatise on cosmetics and preservations)
بانه تجول في عدد من البلدان والدول من 1521إلى 1529. كان يتحرك دائما باحثا عن فهم ومعرفة بمصادر وأصول النباتات الطبية الأخرى. فإذا كان حقيقة أن جدوده الأطباء كانوا يتجولون في منطقة المتوسط الغربى مع حاشية الملك رينيه ربما غرسوا في ميشيل الصغيرالسحر الرومانسى للتجوال في البلاد البعيدة.
إن اهنمامه المبكر بالأعشاب وخواصها العلاجية ربما وضع ذهنه الملىء بالكتب في خط الصدام مع كتاب عصره الذى ألفه أشهر طبيب جوالة في أيامه، رجل كانت حياته عريضة ومليئة بحيوية قوية أسمه فيليبوس ثيوفراستوس المبجل (1441- 1493)
أما باراسيلوس الطبيب السويسرى وأستاذ اللاهوت، فكان متمكنا من علم الكابالا اليهودية والكيمياء وأيضا كان صانع معجزت في الشفاء، ربما كان هو أول طبيب بالمعتى العلمى في التاريخ. ولابد ان ميشيل نوستراداموس تعرف في مكان أو آخر على أفكار باراسيلوس، التي تقول إن الباحث عن الحقيقة لابد أن يتجول في طرق العالم. ويجب على الطبيب أن يكون سائحا جوالا ليعرف أن تجربة الدراسة الجامعية ليست كاملة، فالطبيب يجب أن يترك الطرق الرئيسية ومنابع التيارات المتشددة dogma ويبحث عن الحكيمات من النساء الزنوج gypsies العرافين والقبائل الرحل وقدامى اللصوص وأن يأخذ دروسه من هذه الحثالة riffraff .
لم يعتمد نوستراداموس على ذلك المفكر المستقل، باراسيلوس السكير والمشهور بسوء السمعة في الأراضى الواطئة وفى أقاليم النهضة. وحبه المستعر لحرية الكلام، ومساءلة السلطة مع سلوكه المنحل، لقد رأى بارسيلسوس طريدا من بلاد كثيرة زارها قبل ان يجس أسرارهم. ربما كان أبو قيراط محركا أقوى لرغبته في التجوال. فقد قال ينصح الأطباء الشبان أن يتحركوا من مدينة ألى أخرى بحثا عن التجربة التي تؤسس سمعة الطبيب.
فهل أنفق ميشيل نوستراداموس السنين التسع في التجوال المستمر لجمع المعرفة والأعشاب الطبية وابتكار وسائل العلاج وصنع الأدوات الطبية؟ وكما يقول أحد كتاب السيرة المتعاطفين معه مكتسبا سمعة الشافى للمرضى، كل هذا دون أن يحصل على رخصة ممارسة الطب؟ مجمل السيرة المكتوبة تصوره كممارس للطب بصورة قانونية في عام 1525 بعد أن تسبب انتشار الطاعون في إغلاق جامعة مونبليه وليس حين أغلق باب الأكاديمية في 1520. حيث ابتدأ يوطد طريقا يوصله ألى فرع البحوث والممارسة لمدة أربع سنوات وربما كان يجرب خبرته في علاج ضحايا الطاعون عند انتشاره للمرة الثانية 1525.
ويحكى أحد كتاب السيرة أنهم قبضوا ذات مرة على شخص لابحمل رخصة فسجنوه في حجرة الجراحة وراحوا يبحثون عن حمار لكى يركبه ووجهه إلى الخلف خارج المدينة. وقبل ان يأتى الحمار راحت زوجته تصرخ وتقول إن الطلبة يريدون تشريح جسد زوجها وهو حى. وصدقها المسئولون في المدينة وذهبوا وأنقذوا زوجها بالقوة من أيدى التلاميذ.
التجوال الطويل الأمد جعل نوستراداموس ترجمانا في برج بابل، في فرنسا وفى أقاليم أخرى بالبحر المتوسط. كانت فرنسية الملك لاتزال لغة الأقلية وكانت اللاتينية هى اللغة الرسمية حتى سنة 1539 حين أخذت الفرنسية مكانها في دواوين الحكومة.
وكان عليه أن يتقن عدة لهجات حتى يمكن أن يفهمه الناس.
كانت هناك حواجز بين المدن وكانت أبواب المدن تغلق عند غروب الشمس حتى شروقها في اليوم التالى. وقد ساعده حصوله على شهادة عطار أو بائع عقاقير فى المرورعلى الأماكن المنتشر فيها الطاعون. ثم تعرف ميشيل على أولئك الرهبان الكرماء ذوى الأرواب الزرقاء الذين كانوا يملكون أماكن ضيافة خيرية في الأديرة الفرنسكانية المتشرة خارج المدن. كان ينام ربما على فراش من القش في اسطابل أو يتمدد على ألواح خشبية بسيطة حتى شروق الشمس.
كانت الشوارع ضيقة وقذرة في عصر النهضة وكانت المدن مزدحمة. وكانت معظم المدن تعتمد على نفسها في الحصول على أساسيات المعيشة. أما حياته الجنسية فظلت خافية حتى عن كتاب السيرة الأوائل والمتأخرين. ربما كان نفوره من الغريزة الجنسية في آخر حياته راجع إلى انحلاله في شبابه كطالب طب متشرد. ربما كان مظهر الطهارة لرجل عجوز تائب ما هو إلإ رد فعل لذكريات الشباب.
هناك كثير من الإشارات الجغرافية في نثره الطبي وأعماله التنبؤية لاتكشف لنا عن تفاصيل بيوجرافية ولكن عن تنبؤات عن مستقبل أي مدينة كان يكتب عنها بدقة إخبارية لاتصدرإلإ عن انسان كان قد نام فى هذه الأماكن. ومنها: فرنسا وإيطاليا والجزر المحيطة بها واسبانيا والبرتغال-ألمانيا ووسط أوربا -بريطانيا بلجيكا هولندا اسكندنافيا اليونان وشرق أوربا شمال أفريقيا والشرق الأوسط – شمال وجنوب أمريكا.
عندما استوطن الطاعون جنوب غرب أوربا أصبحت ملاحظة خواص المرض pathology هاجسا مسيطرا على عقل هذا الشاب أبن العشرين ربيعا، وربما دفعته تجارب العلاج إلى أن يتتبع سير المرض حتى مدينة نيمو Nimo في الشمال الشرقى.
بعد سبع سنين أو أكثر عثر في مدينة أفنيون على كنز من الحقائق المسجلة. يقال إنه قضى ساعات طويلة في مكتبة الجامعة في قراءة كتب الطالع occult بما فيها ترجمة مارسيلو فيشينو Marsilio Ficino لكتاب الأسرار المصرية De mysteries Aegytiorum التي تقتبس دائما على اعتبارأنها انجيل نوستراداموس للعالم الاخر بغرض التعليم في السحر الطقسى الذى يستخدم لتحضير رؤية المستقبل. لقد استدعته سلطات الكنيسة في مهمة إنسانية an errand of mercy للبقاء إلى جوار سرير نائب البابا الكاردينال كالاريمونت أثناء مرضه
في نهاية 1528 خف خطر الطاعون في جنوب فرنسا، فغادرها راكبا الى بيته في حضن والديه الدافىء في سانت ريميه. كان في ذهنه أن يحض والده على إعطائه نصيبه في الميراث لكى يصرف على طموحه ليكون طبيبا. مات والده في 1547 والأرشيف يثبت أن اسم ميشيل لم يكن ضمن قائمة الورثة ربما لأنه أخذ نسبة محددة فى 1529 حسب التقاليد.
الأحاديث الطبية تتسم بالحياء coy لكن التنبؤات والشعر تكشفان أنه كاهن يؤمن فعلا بأن comets هي نجوم مؤنثة وعلامات من الله تشير إلى حدوث تغييرات في حظوظ الأفراد والممالك (ص65-66)
لقد ذاعت شهرة ميشيل الشاب طبيب الأطفال بعد نجاحه في علاج الطاعون، وكانت العائلات الغنية ترسل بناتها في سن الزواج أمام عينيه. وأخيرا تم زواجه إلى سيدة كاسكانية لديها ضيعة كبيرة وهى سيدة جميلة وحبوبة لاتذكر الوثائق اسمها. فى 1558 أصيبت زوجته وأولاده بالملاريا من ناموسه ولم يستطع أنقاذهم (في ظرف 12 ساعة) ربما حدث هذا بفعل ناموسة نسيها في ثيابه من إحدى المستنقعت أثناء علاجه للمرضى والتنقل بين مريض وآخر.
ربما اعتقد بعض الكاثوليك المؤمنين بالخرافات أنه كان كافينيست Calvanist أي هرطوقى من أتباع كالفن. وأنه كان لديه عقد مع الشيطان فشفى ألاف المرضى ولم يستطع أن يشفى أعز الناس إليه. وأخذ خصومه من أبناء المهنة في الهجوم عليه ومنهم اسكاليجر. ومضت ست سنوات لم نسمع فيها شيئا عن نوستراداموس.
في منتصف 1550 ألف نوستراداموس بحثا لم يستطع أن ينشره عن اللغة الهيروغليفية المصرية eccentric and cryptic معقدا وغامضا. يعتقد Jochmansأن به فقرات تكشف أن نوستراداموس قد فهم جوانب خفية من الرياضيات الخاصة بالتنبؤات وكذلك المتعلقة بفن العمارة المصرية التي تدل على أحتمال أنه زار أثار مصر القديمة في معبد إزيس في فيلا Philae وتأمل بقايا آثار سقارة بالقرب من المدينة الخربة التي كانت في يوم من الأيام تسمى ممفيس.
عند خروجه شمالا إلى مدينة شامبانى Champagne يقال إنه دخل في مناقشة مع أتباع كالفن في بارلادوك حيث هاجمهم علنا وأدان معتقدات كالفن ولوثر. ربما تنبأ نوستراداموس بظهور نابليون بونابرت أيضا.
لم يذكر أبدا أنه كان يرتدى ملابس واقية، ولكنه لم يكن يقترب كثيرا من المريض. وقد انتشر الموت في الهواء في شكل غارات من الجراثيم عن طريق العطس أو الكحة.. بعد عشر سنوات في علاج مرضى الجدرى كتب نوستراداموس هذه النبوءة – الشىء المفقود قد وجد أخيرا بعد أن ظل مختفيا لقرون كثيرة.. باستير سوف يكرم كنصف إله. هذا سوف يحدث عندما يكمل القمر دورته العظيمة، وسوف يتعرض باستير لإشاعات تسىء إليه.
لقد أدرك نوستراداموس هذا الشىىء الذى كان مفقودا بعد معركته مع الجدرى في مدينة أيكس Aix 1546، وبعد أن اعتزل العمل في مجال الطب ليواصل بحوثه في مجال آخر، كتب النبوءة السابقة فى سنة 1554.
كتابه Traite des Fordemens سنة 1557 لايشير لأى تغيير في وصفه لعلاج الطاعون ودون أن يعرف ما هو الشىء المفقود ولكنه لمح في نبوءاته بأن زميل اسمه باستير سوف يظهر ويعرفه الناس ويقلبونه في وقته نصف إله Demigod. وذلك عندما يكمل القمر دورته العظمى في 1889 (بعد زمن طويل) سميها فانتازيا أوتخمين جيد، لمحة إلى المستقبل لكن الحقيقة أن لويس باستير اكتشف وأكد أن الجراثيم تلوث الجو وتنشر الأمراض وليست الأمزجة الشريرة أو شياطين الطاعون غير المرئية كما كانوا يعتقدون. لقد شملت النبوءة اسم باستير وعام 1889 باعتباره عاما مهما إذ تم فيه تأسيس معهد باستير، (كان الشعب يعتبر الطاعون عقوبة إلهية).
لقد لاحظ الكاثوليك وأتباع كالفين أنه يعمل بإخلاص ويدخل بيوتهم جميعا دون تفرقة لعلاج المرضى في الفترة من ربيع 1546 حتى يناير في العام التالى. لقد رآه اهالى مدينة أيكس يخاطر بحياته لإنقاذ المرضى لمدة تسعة شهور حتى انتهى خطر الطاعون سواء بجهوده أو بعناية الله الخفية. وظهر وباء الكحة اوالسعال الديكى في ذلك الوقت، وكانت ليون ثانى أكبر المدن في فرنسا بعد مارسيليا وسكانها 40000 هي عاصمة للوباء. وقبل أن يبدأ في مواجهة الوباء وجد نفسه مشتبكا في مناوشات مع أشهر الأطباء فيليب سيرازين. وفي أخر حياته يصف مواجهته له في شكل مديح فيقول: كان شخصية مرموقة لكن معرفته كانت ناقصة.
عاد الى مدينة صولون في فصل الربيع التالى، ومات أحد المرضى الآغنياء وترك زوجته أرملة في سن الرابلعة والعشرين فتزوجت نوستراداموس البالغ 47 عاما. وفى مذكراته كان يشعر بالاشمئزاز من الطبقات الدنيا فى الحضر ومن عمال الزراعة الذين كانوا يسخرون منه ومن زوجته الجديدة من خلف ظهرهما. لكن زوجته كانت ترى أن زوجها يجد احتراما وترحيبا من البرجوازيين في صولون.
لقد اجتاز شمالا حتى ميلانو وقام بترجمة قصة قديمة من الارشيف الكلاسيكى. ويقال إنه بات في تورين في فيلا بات فيها دانتى الليجيرى قبل ذلك بقرن من الزمان. لقد نام في فينيسيا أكثر من مرة. فينيسيا التي لا تقارن ذكرت باعتبارها مصدر وجبات الحلوى ولأنها كانت مركزطبع الكتب الإيطالية والمصدر الرئيسى للكتب الكلاسيكية سحرية أو غير سحرية التي كانت تطبع باليونانية.
يقال انه كان يسير على ظهر بغلته في إحدى الطرق الموحلة في مدينة مارك دي أتكونا ورأى جماعة من الرهبان ونظر ألى أحدهم ونزل من على ظهر بغلته حتى لاتطرطش عليهم الماء وراح ينحنى ويركع فى الوحل مما أدهش الرهبان الاخرين. وحين سؤل عن سبب ذلك أجاب بأنه كان على استعداد أن يتقدم بنفسه ويحنى ركبتيه أمام صاحب القداسة واعتبرت هذه نبوءة لآن الراهب الذى انحنى له كان الآخ برتى الذى أختير فيما بعد بابا واصبح هو البابا سيكتوس الخامس في سنة 1585. كان مجرد قس صغير سنه 27 عاما حين رآه نوستراداموس وكان من أصل فقير ويعمل راعى خنازير وترهبن من 12عاما.
بعد ذلك وصل نوستراداموس إلى روما عاصمة المسيحية الغربية، ثم ذهب إلى فلورنسا حيث أراد أن يكتسب استنارة من مفكريها وفنانيها وهو يتجول في كعبة المكتبات الكبرى والمعارض العظيمة حيث كان آل مديتشى يمجدون ويحتمون بحاضرة النهضة فلورنسا. . لقد روت عطش نوستراداموس للمعرفة –
فقد نسخ بعض الكتب التي لم يستطع أن يكملها وحملها معه. لقد قامت زوجته آن بالدعاية لأدوات التجميل التي صنعها نوستراداموس . وبعد نجاح المشروع تقاعد عن العمل في الطب.
نساء الطبقة الغنية أقبلوا على أعمال الطبيعة والآمنيات التي تتولد عند عودة دورة الخمسمائة سنة حاضرا وماضيا إذ يخلق الله لدى الناس رغبة فى البحث عن إجابات عقلانية غير أرثوذكسية (غير جامدة) .
إنها عادة متباطئة lingering في الطبيعة البشرية، أ تحدث عندما يواجه الناس عصرا جديدا من العجائب والأخطار فإنهم يبحثون بياس للوصول إلى أولئك الذين يزعمون أنهم ينظرون إلى المستقبل، إذ كانوا يأملون في الحصول على نصيحة من عراف تساعدهم في السيطرة على حياتهم او على أن يفهموا كيف يواجهون المرحلة القادمة.
وفي منتصف القرن السادس عشر بدأت طباعة الكتب والثورة الأدبية، وباتت تضاهى ثورة المعلومات في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحادى والعشرين، التي حدثت بفعل الإنترنت. إن من كانوا يستطيعون القراءة وحتى الأميين الذين كانوا يريدون أن يقرأ البعض لهم، اتجهوا إلى اختيار نوع من كتب التقويم الشعبية لقراءة الطالع ومعرفة التنبؤات.
يشير شيفنى أنه في سنة 1549 كان نوستراداموس يعمل فعلا في أول تجربة فى مسيرته الجديدة – تجربة كان يفكر فيها من زمن طويل حين بدأ التلاميذ في جامعة أفنيون يلقبونه بلقب "الفلكى الصغير" كان يجرب نفسه فى كتابة كتب التقويم. ربما تحوى مخطوطاته الأدوية الطبية المعتادة، وكذلك معلومات عن الزراعة، وهى توليفة تجمع بين الدينى والدنيوى، كما تحوى تقويما قمرىا يحدد أفضل الأوقات للزراعة والحصاد وهكذا. وقد تحوى أيضا المقالات المعتادة والمعلومات الفلكية والتنبؤات الخاصة بالأحداث الرئيسية السياسية والآجتماعية المتوقع حدوثها فى السنة القادمة.
لكن نوسراداموس كان يعتقد بوضوح أنه يستطيع أن يقدم زوايا جديدة في هذا النوع من الكتابة المفرطة بأن يصب فيها مخزون العقل لرجل جاب طويلا في العالم خارجيا وداخليا. كان يريد أن ينتج حهاز اختبار لما يود أن يكون عملا فذا ينتهى بتيار ممتع أومفزع عن طريق تشخيص الوعى بأسلوب نثرى ومن المقطوعات الشعرية الرباعية التي تحمل تنبؤات السنة القادمة. والمؤسف أنه لا توجد أي مخطوطة أصلية من هذه الروائع الأدبية التي كتبها نوستراداموس بيده، لكن الكاتب يزعم ان مايقوله هنا مبني على أدلة من الجهود المتأخرة رغبة في نشره. وربما أكانت الرغبة هي التي أخذت نوستراداموس على ظهر بغلته مسافة بعيدة شمال مدينة ليون، وهى واحدة من مدن نجاحه في الماضى.
لقد أصبحت ليون واحدة من أهم مراكز الطباعة منذ أستعمل جوتنبرج الأدوات الخشبية والحديدية لطبع الحروف على الورق، وبهذا وجد نوستراداموس ناشرا لكتبه الخاصة بالتقويم. وهكذا أصبحت كتبه في أيدى سيدات الأسرة المالكة اللاتى يعرفن القراءة. وقد حققت أعماله تجاحا فائقا وكانت المكافأة المادية مجزية دفعته لأن يكتب نتيجة أو تقويما في كل عام.