صلاح الغزالي حرب
يحتفل العالم كله بيوم السكر العالمى فى ١٤ نوفمبر من كل عام، وهو يوم ميلاد العالم الكندى فريدريك بانتنج الذى اكتشف هورمون الإنسولين كعلاج لمرض السكر مع زميله تشارلز بست فى عام ١٩٢٢، وقد حصل على جائزة نوبل فى الطب عام ١٩٢٣ مناصفة مع الأسكتلندى جون مكلويد.. وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم سنويا منذ عام ١٩٩١ بمبادرة من الفيدرالية الدولية للسكر بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية من أجل دراسة ومتابعة التعامل مع هذا المرض سريع الانتشار، وقد أصبح الاحتفال به رسميا فى الأمم المتحدة منذ عام ٢٠٠٦، وتم وضع رمز لهذا الاحتفال فى صورة دائرة زرقاء (تعبيرا عن لون السماء ولون علم الأمم المتحدة)، كما أن هناك شعارا فى كل عام تحتفل به الدول المشاركة وشعار هذا العام هو (تحسين الحالة النفسية والاجتماعية لمريض السكر).. ومن المؤسف أن أعداد هذا المرض تتزايد عالميا، خاصة فى دول الخليج العربية ومصر، بالإضافة إلى الصين والهند، وقد كان عدد مرضى السكر فى العالم ٥٣٧ مليونا، والمتوقع أن يصل العدد إلى ٧٨٣ مليونا فى عام ٢٠٤٥، ومن المؤلم أن ثلث مرضى السكر البالغين لا يعلمون بإصابتهم بالمرض!.
وسوف نتناول اليوم بعض المعلومات المهمة عن مرض السكر.
أولا.. متى ظهر هذا المرض لأول مرة؟
تم الكشف عنه فى أكبر مخطوطة بردية مصرية طبية قديما (بردية ايبرس) – ١٥٥٠ عاما قبل الميلاد – والتى تحتوى على ١٠٨ عواميد تصف الكثير من الأمراض فى هذا الزمن وكذلك الحال مع الحضارة الصينية القديمة والحضارة الهندية واليونانية والرومانية ثم الإسلامية، حيث ساهم العلماء المسلمون الأوائل فى الكشف عن هذا المرض فى العصر العباسى، ومن أبرز هؤلاء أبوبكر الرازى وابن سينا وعبداللطيف البغدادى والذين وصفوا هذا المرض بأنه يتميز بكثرة التبول مع العطش الشديد وكثرة شرب الماء وضعف الجسم والهزال الشديد، وذكر البغدادى أن ضياع رطوبة الجسم بكثرة التبول يعد من أسباب المرض، وذكر أن هناك مواد تفرز من الكبد وتؤثر على الكلى فلا تتحملها.. وعن تسمية المرض فإنه يرجع إلى القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، حين وصفوا المذاق الحلو لبول المرضى فأطلقوا عليه (البول العسل) وترجع تسميته (ديابيتس ميليتس) إلى ديمتريوس أفاميا فى القرن الأول قبل الميلاد وتعنى بالعربية تدفق البول المسكر.
ثانيا.. كيف يحدث مرض السكر؟
بعد تناول الطعام يبدأ الجهاز الهضمى فى التعامل معه حتى يتحول فى معظمه إلى جلوكوز (السكر) والذى فور انتقاله إلى الدم يبدأ البنكرياس فى إفراز هرمون الإنسولين من خلايا خاصة تسمى خلايا بيتا داخل البنكرياس (يقع البنكرياس فى الجزء الأعلى من تجويف البطن خلف المعدة وهو يفرز إنزيمات مهمة لهضم الطعام، كما يفرز بعض الهرمونات، ومن أهمها الإنسولين من جزر صغيرة تحتوى على خلايا خاصة ومنها خلايا بيتا التى تفرز الإنسولين) ويبدأ الإنسولين العمل على إدخال الجلوكوز إلى جميع الخلايا التى تعمل على تحويل الغذاء إلى طاقة، ومن أهم الأعضاء التى تحتاج إلى الجلوكوز المخ.. فإذا كان هناك نقص فى نسبة الإنسولين بالدم فهذا يعنى عدم إدخال الجلوكوز إلى الخلية وزيادته فى الدم، وهو ما يعنى الإصابة بمرض السكر.. وإذا استمر هذا الوضع طويلا تتأثر جدران الشرايين، وقد يشمل ذلك كل الشرايين وبدرجات مختلفة، ومن ناحية أخرى فإن استمرار نقص وصول الجلوكوز إلى المخ قد يؤدى إلى غيبوبة سكرية تستلزم دخولا سريعا للرعاية المركزة كما يتناقص وزن المريض ويشعر بإرهاق شديد ومع استمرار نزول الجلوكوز فى البول يحدث جفاف يضر بشدة بكل أعضاء الجسم.
يتبين لنا الآن أن الهدف الأساسى من علاج هذا المرض هو تدبير الإنسولين فى الدم باستمرار مع التأكد من وجود نسبة الجلوكوز بالدم المماثلة للإنسان السليم قدر الإمكان وهذه هى مهمة الطبيب المتخصص..
ثالثا.. أنواع مرض السكر:
١- النوع الأول: يصيب هذا النوع فى الغالب الأطفال والشباب حتى الثلاثين من العمر وهو نتيجة خلل فى الجهاز المناعى ليس له سبب مؤكد حتى الآن، والذى ينتج عنه إصابة كل خلايا بيتا التى تفرز الإنسولين نتيجة إفراز أجسام مضادة تقوم بهذا الضرر الشديد والذى يظهر إكلينيكيا على المصاب فجأة (العطش الشديد والشعور بالتعب والحاجة إلى التبول بشكل متكرر وعدم وضوح الرؤية والشعور بالجوع) ويحتاج لسرعة إعطاء الإنسولين ويظل عليه طوال العمر ويمثل هذا النوع حوالى ١٠٪ من حالات السكر.
٢- النوع الثانى: يمثل الغالبية العظمى من مرضى السكر فى العالم ويصيب البالغين وقد لا يدرك المريض فى البداية أنه يعانى من شىء لأن هناك قدرا من الإنسولين فى الدم حتى ينخفض المستوى بسبب مقاومة الجسم لهذا الهرمون والتى تنتج غالبا من زيادة الوزن نتيجة تراكم الدهون، خاصة فى وسط البطن (الكرش) مع وجود تاريخ عائلى للسكر ويعالج هذا النوع فى البداية باستخدام الحبوب التى تساعد على دخول الجلوكوز إلى الخلايا وإذا انخفض مستوى الإنسولين بشدة يصبح اللجوء إلى حقن الإنسولين هو العلاج إلى نهاية العمر..
٣- سكر الحمل: وهو السكر الذى يكتشف فى السيدة الحامل لأول مرة فى الفترة من ٢٤-٢٨ أسبوعا من بدء الحمل، وقد يحتاج الأمر إلى استخدام الإنسولين وقد يختفى بعد الولادة وقد يرجع ثانيا فى حمل آخر، وقد يستمر طوال العمر.
٤-هناك نوع من السكر من النوع الأول، لكنه يظهر بعد سن الثلاثين وهو ناتج عن خلل جينى متأخر فى الجهاز المناعى، كما أن هناك نوعا من السكر من النوع الثانى ويظهر فى الأطفال والشباب ويمثل حوالى ٥٪ من حالات السكر، وهو وراثى فى العائلة وفى السنوات الأخيرة زادت نسبة السكر من النوع الثانى فى صغار السن نتيجة زيادة الوزن فى الأطفال، وللأسف فإن المضاعفات قد تظهر مبكرا فى هذه الحالات، وهو ما يؤكد الاهتمام بممارسة الرياضة وتجنب زيادة الوزن فى الأطفال.. وهناك نوع نادر من المرض يظهر فى أول ستة أشهر فى الطفل بعد الولادة، وقد يستمر وقد يظهر ويختفى بعد شهور.
ملاحظاتى على علاقة المواطن المصرى بمرض السكر من واقع الخبرة:
١- هناك من يرفض تماما أن يكون مريضا بالسكر ولو كان سكره بالدم مرتفعا! ويترك الطبيب ويتحول إلى بعض المزيفين الذين يتشدقون بما يسمى العلاج بالأعشاب وبعض أنواع الطعام وقد صادفت مريضة رفضت العلاج ولجأت إلى تناول كمية كبيرة من الترمس، مما أدى إلى انسداد معوى وجراحة عاجلة ثم عادت نادمة لتناول العلاج، وهناك من يتوقف تقريبا عن كل أنواع الطعام خوفا من مرض السكر!، ثم يعود فى حالة هزال شديد ثم يضطر للجوء إلى العلاج.
٢- هناك من يرفض تماما مجرد الحديث عن احتمال استخدام الإنسولين، وهى مشكلة عالمية، وللأسف يتعرض لمضاعفات صعبة ويأتى هنا دور الطبيب لإعلام المريض منذ اليوم الأول للمرض أنه قد يحتاج إلى الإنسولين عندما يختفى الإنسولين من الجسم.
٣- هناك من يرفض فكرة قياس السكر بالدم دوريا مستغلا عدم وجود أعراض واضحة تستدعى القياس وللأسف الشديد قد ينخفض السكر فجأة ويضطر إلى دخول الرعاية المركزة.
وتبقى نصيحتى موجهة إلى شباب أطباء السكر:
١- من المهم فى أول زيارة للمريض أن نشرح له بكلمات علمية بسيطة عن معنى مرض السكر والتأكيد على أنه سيستمر معه طول العمر ولا خوف منه طالما يلتزم بالعلاج مع ضرورة مراعاة عدم الزيادة فى الوزن وعدم التدخين مع ممارسة الرياضة يوميا فى صورة نصف ساعة هرولة صباحا ومساء (وسط بين التسكع والجرى).
٢- لابد من الـتأكيد على أنه غير محروم من أى طعام، لكن كل شىء بقدر وبغير إسراف.
٣- الفحص الشامل لشبكة الشرايين والجسم كله سنويا ضرورة لتجنب أى مضاعفات.. ومما يسعدنى أننى أنشأت مركزا للفحص الشامل للسكر فى مستشفى معهد ناصر منذ بداية عمل المعهد، وهو لايزال يقدم خدماته للمصريين ولضيوف مصر.
٤- متابعة الحالة كل ستة أشهر للتأكد من تطور المرض.
ونختم بنداء إلى وزارة الصحة والهيئة العامة للدواء باسم مرضى السكر: توفير أدوية السكر أولوية قصوى تعادل أدوية أمراض السرطان، وكذلك الحال مع أجهزة قياس السكر بالمنزل بعد أن زادت أسعارها بشدة ودراسة إمكانية صناعة هذه الأجهزة فى مصر وعلى الشركات المنتجة لأدوية السكر أن تساهم فى توفير هذه الأجهزة لمرضى السكر الذين يتزايد عددهم فى السنوات الأخيرة.. مع تمنياتى بالشفاء للجميع.
نقلا عن المصرى اليوم