عبد اللطيف المناوي
يعيش السودان اليوم واحدة من أحلك مراحله التاريخية، مع استمرار الصراع الدموى بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منذ منتصف إبريل ٢٠٢٣، وهى حرب لا تلوح فى الأفق أى بوادر لحلها، بل تتفاقم حدتها مع مرور الوقت. هذا الصراع الذى بدأ بدوافع سياسية وعسكرية يتحول الآن إلى كارثة إنسانية، حيث يدفع المدنيون الثمن الأكبر، وسط مشهد دولى وإقليمى معقد.

الحرب أخذت منحى أكثر عنفًا وانتقامًا، خاصة مع الانتهاكات الوحشية التى ارتكبتها قوات «الدعم السريع» ضد المدنيين فى شرق ولاية الجزيرة. هذه الممارسات لم تقتصر على القتال التقليدى، بل شملت النهب، والتهجير القسرى، والاعتداء على البنية التحتية.

الجيش، رغم ما يواجهه من تحديات لوجستية واستراتيجية، يحظى بدعم شعبى نسبى يسعى من خلاله لاستعادة السيطرة على البلاد. لكن هذا الصراع لا يقتصر على الداخل السودانى، بل تتحكم فيه قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها، سواء عبر الموارد الطبيعية أو الممرات المائية الاستراتيجية، مما يعقد فرص التوصل إلى حل سريع.

على الصعيد الدولى، تبدو أزمة السودان على هامش اهتمامات القوى العالمية، التى تنشغل بصراعات أخرى مثل الحرب فى أوكرانيا وغزة. حتى جهود الأمم المتحدة تعثرت بسبب نقص التمويل وغياب الإرادة السياسية، ما يجعل احتمالية نشر قوات دولية لحماية المدنيين أمرًا مستبعدًا. فى الوقت نفسه، تعانى دول الجوار الإفريقى، مثل إثيوبيا وتشاد، أزمات داخلية تجعلها غير قادرة على لعب دور فعال فى حل الأزمة السودانية.

أما على الصعيد الأمريكى، فلم يذكر السودان أثناء الحملة الانتخابية، ولم تتضح ملامح السياسة الخارجية للإدارة الجديدة.

تتزايد المخاوف من أن تتوسع رقعة الحرب لتشمل مناطق جديدة، مثل شرق السودان ودارفور وغرب كردفان. هذه التوقعات يعززها الانتشار العسكرى المتزايد لكلا الطرفين، بالإضافة إلى استقطاب مجموعات إثنية وقبلية لم تكن منخرطة فى الصراع من قبل. ومع انتهاء موسم الأمطار وعودة الطرق للعمل، يُتوقع أن تصبح المعارك أكثر دموية وتدميرًا.

وسط هذا المشهد القاتم، يرى العديد من المحللين أن الحل الوحيد لإنهاء هذا الصراع يكمن فى إرادة وطنية خالصة. هناك حاجة ماسّة إلى مائدة مستديرة تجمع جميع مكونات الشعب السودانى، بعيدًا عن التدخلات الخارجية للوصول إلى رؤية شاملة تُنهى الحرب وتعيد بناء السودان.

ورغم صعوبة هذا المسار، فإن التجارب الدولية تشير إلى أن الحوار الوطنى هو السبيل الأنجع لتجاوز الأزمات. دعم أصدقاء السودان من دول الجوار والمجتمع الدولى يمكن أن يسهم فى خلق بيئة مواتية للحوار.

السودان يقف اليوم على مفترق طرق. استمرار الحرب يعنى المزيد من التمزيق والدمار، بينما يتطلب السلام شجاعة سياسية وتنازلات مؤلمة من جميع الأطراف. ومع أن الواقع الحالى يبدو قاتمًا، إلا أن الأمل يظل معقودًا على إرادة السودانيين أنفسهم لوقف هذه الحرب.
نقلا عن المصرى اليوم