بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر


جاء به من أنهار الفتور والملذات من الجبال... أي جبال هذه؟ إنها ليست الجبال المقدسة التي كُتب عنها: "أساساته في الجبال المقدسة" (مز 78: 1)، وفي موضع آخر "أورشليم المبنية كمدينة متصلة كلها. أورشليم الجبال حولها، والرب حول شعبه" (مز 122: 3، 125: 2). إنها جبال الفتور (القائمة بين النهرين)، دُعيت بجبال العتمة (إر 13: 16)، وعنها قيل: "أتوا إليك، جبل الفساد". إنها الجبال التي خصصت لهذا العمل "كل علو يرتفع ضد معرفة الله" (2 كو 10: 5). هذه هي الجبال التي أُخذ بلعام إليها.

نحن نعلم أن أورشليم قائمة على جبال مرتفعة، فمن يرغب في الذهاب إليها يصعد، "َيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا". وكما يقول المرتل: "أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة وردية، تعود فتحيينا، ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا" (مز 71: 20).

إن كان كورش يدعو المؤمنين أن يصعدوا إلى أورشليم، فقد جاء سفر المزامير يحمل قسمًا يُدعى "مزامير المصاعد"، يضم المزامير 120 إلى 134. وكان هذا التجميع يستخدمه الزائرون القادمون إلى أورشليم في الأعياد العظمى، حيث كان الصاعدون إلى أورشليم يعطون ظهورهم للعالم ويتمتعون بجبال أورشليم المقدسة وهيكل الرب المقدس، فتتهلل نفوسهم. إنه صعود إلى عربون السماء.

في هذا الصعود يشعر المؤمن أنه كفطيم على صدر أمه (مز 131: 2). يشعر أن سرّ راحته هو سكنى الله وسط شعبه (مز 132)، واجتماع الكهنة مع الشعب في شركة صادقة. يتغنى القادمون للرب، ويسبحونه حتى بالليالي (مز 134).

كانت هذه المزامير الخمسة عشر يطابقها درجات السلم للهيكل (7 درجات في الخارج و8 درجات في الداخل). وكأنه يليق بمن يود الدخول إلى هيكل الرب أن يصعد على هذه الدرجات.

يقول القديس جيروم: من كان لا يزال في أدنى الدرجات فليثبت عينيه نحو أعلى الدرجات، أي الدرجة الخامسة عشرة. من بلغ الدرجة الخامسة عشرة، فقد بلغ ردهة الهيكل.

هُوَذَا عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَا مُبَشِّرٍ مُنَادٍ بِالسَّلاَمِ: عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ. أَوْفِي نُذُورَكِ،  فَإِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَعْبُرُ فِيكِ أَيْضاً الْمُهْلِكُ. قَدِ انْقَرَضَ كُلُّهُ.

      يرى العلامة ترتليان بالتأكيد جلب أخبارًا مفرحة لصهيون، وقدم سلامًا لأورشليم. إنه يصعد على جبلٍ، وهناك يقضي ليلة في صلاة (لو 6: 12). لهذا، فلترجعوا إلى الأنبياء، وتتعلموا منهم دوره الكامل. يقول إشعياء: "على جبلٍ عالٍ اِصعدي يا مبشِّرة أورشليم" (إش 40: 9). "فبُهتوا من تعليمه، لأن كلامه كان بسلطان" (لو 4: 32)... "أنا حاضر، عندما تكون الساعة، على الجبال، أجلب البشارة بالسلام، وأبشِّر بالخير" (راجع إش 42: 7). وكما يقول أحد الاثنى عشر (من الأنبياء الصغار) ناحوم: "هوذا على الجبال قدما مبشرٍ منادٍ بالسلام مسرعتان" (راجع نا 1: 15).

    القديس يوحنا ذهبي الفم: "أورشليم الجبال حولها، والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر" (مز 2:125)... يقول: إن كانت حتى الجبال محصِّنة لها، فهي في حاجة إلى الحصانة من الرب لكي تكون منيعة... ليس لها أن تثق في سلسلة الجبال.

ما الذي يجعلها مُحصنة، انظروا هذا: "لأن الرب لا يسمح لعصا الخطاة أن تستقر على نصيب الصديقين" (مز 3:125). إنه يشير إلى سبب لائق لنوال معونة الرب، حتى يشجعهم أن يثقوا فيه. ما هو؟ يقول المرتل: إنه لم يحتمل أن يكون صلاح الصديقين في أيدي الخطاة...
إنه لا يسمح لهم أن ينالوا سلطانًا على ميراث الأبرار، فإن سمح به، إنما إلى حين لأجل إصلاحهم ونصحهم وتأديبهم.