رحاب السماحى
تطوارت الثوره البشموريه الكبرى ضد الإحتلال العباسى سنه ٨٣١ م خلف ظلالا كثيفه من الأكاذيب والإدعاءات حول رد فعل الأقباط حيال الغزو الإسلامى وتمتعهم برغد العيش بعد دخول الغزاه العرب مصر فتناسينا عمدا الثورات المتعدده التى قام بها الأقباط ضد الولاه المسلمين لتجميل صورة الإحتلال العربي محاولين إيهام أنفسنا بصوره مثاليه يحمل فيها الأقباط الزهور فى إستقبال الغزاه العرب والبسمه ترتسم على وجوههم وتغمر الفرحه قلوبهم ولكن للأسف لم تكن هذه الصوره الحقيقيه فالتاريخ القبطى يذكر أن العرب أعتقلوا وقتلوا أعداد كبيرة من الأقباط فضلا عن سبي نساؤهم وأطفالهم وكانت من قوة بأس الثوره البشموريه والتى تزعمها مينا بن بقيره أن لجأ الخليفه المأمون للأنبا يوساب بطرك الأقباط لإخمادها ولكن مينا رفض الإستسلام للقمع العباسى وقلة حيلة البطرك
حيث قال المؤرخ القبطى ساويرس بن المقفع والذى كان يسمى العباسيين بالخراسانيين " ولما كان فى ثالث سنه من مملكة الخراسانيين أضعفوا الخراج وأكملوه على النصارى ولم يوفوا لهم بما وعدوهم ما بين سنه ٧٧٣و ٧٩٣ حيث قامت خمس ثورات لكن أكبرهم كانت الثورة البشموريه "
والبشموريين هم سكان البشمور أو البشرود وهى منطقه ساحليه رمليه فى محافظة الدقهلية ما بين فرعى دمياط ورشيد لذلك أطلق عليها الأراضى الموحله
وإستمر الدمار الذى عم مصر حتى وصفه المؤرخ أبن إياس قائلا "قد أل أمرها إلى الخراب "
وذلك نظرا لقلة الزراعة وكساد التجاره ومضاعفة الخراج وموت أعداد غفيرة من المصريين بسبب الأوبئه والجوع والقتل على أيدى الولاه مما أدى لإضطرار عدد كبير من الأقباط لدخول الإسلام هربا من الضرائب المجحفه والقمع
إتخذت رواية البشمورى للكاتبه سلوى بكر من هذه الأحداث الجسام خلفيه تصبغ الجو العام للروايه بغلاله رقيقه من الحزن وقد إستطاعت الكاتبه ببراعة وحرفيه خلق عالما يبدو واقعا نعايشه من فرط دقته فننتقل إلى هذا الزمن بتفاصيله وخصوصيته فهى ترصد الحياة فى الأديره بطقوسها المعقده وكذلك الحياة فى مصر والتى لم تكد تخلع ثوبها القبطى بعد فنلمس هذا العصر بأمراضه وعلاجتها الشعبيه والنباتات التى تنمو فى كل إقليم فضلا عن مأكولات كل طبقه فى المجتمع
تعتبر رواية البشمورى رواية تاريخيه تقع فى جزأين وذلك لإتكائها على حدث تاريخى حيث تروى جزءا منسيا من تاريخ مصر إبان الحكم العباسي وتتخذ من مينا بن بقيره قائد الثورة البشموريه أحد أهم شخوصها فهو جابي الخراج الذى تتحول حياته رأساً على عقب نتيجه حدث مروع شديد القسوه حيث يرى رجل يلتهم لحم فتاة صغيره حيه نتيجه للجوع الشديد الذى ضرب مصر حينها وهذا الحدث المحورى جعل من مينا بن بقيره بطلا ثائرا بدلا من جابى خراج يلهب بسوطه أظهر الفلاحين الجوعى الفقراء ليدفعوا كل ما يملكون للوالى
ولكن إنتهت الثوره بقمع البشامره وقتل مينا بن بقيره ونفى من نجا من الموت إلى أنطاكيه ومنها للبيع فى أسواق النخاسه فى الشام وبغداد
وكان الراهب بدير هو الشخصيه المحوريه فى الراويه وبجانبه يظهر الراهب ثاونا والذى كان حاضرا رغم غيابه عن بعض الأحداث لإرتباطه بالراهب بدير ب شائج صداقه ومحبه
وتبدأ أحداث الروايه بتكليف الأنبا يوساب فى قصر الشمع بمصر القديمه كل من الراهب بدير والراهب ثاونا بتسليم رسالة إلى مينا بن بقيره فى الأراضى الموحله يطالبه فيها بإخماد الثوره حقنا لدماء الأقباط وحتى لا تتعرض الكنيسه اليعقوبيه الأرثوذكسية لسوء ويتعرض الراهبان للمتاعب خلال رحلتهما ولكنهما يتمكنا من تسليم الرسالة لمينا والذى رفض ما جاء بها
وفى رحله العودة لقصر الشمع بمصر القديمه يتفرق بدير عن ثاونا نظرا لوقوع بدير أسيرا للجنود العرب وينفى إلى إنطاكيه وهناك يؤكد لهم أنه راهب من بيعة قصر الشمع فيسلموه إلى الأب توما الذى يبقيه فى الكنيسة ليلحق بخدمته ولكن بعد وفاته يلتحق بدير لخدمة الأب ميخائيل والذى يقول عنه بدير " يبدو لى إنسانا هادئا وديعا على رغم عدم إرتياحى له لكنى عندما أقتربت منه وعايشته تكشف لى عن كائن غامض غريب الأطوار حتى أيقنت أنه شيطان فاسد الخلق ".
وقد حذره منه راهب شاب قائلا " إن معظم من خدموا مع هذا الأب أنتهوا نهايات غامضة " ويسرد بدير وقائع تؤكد لواطية الأب ميخائيل
ولكن هل من المعقول أن تستبقى كنيسه على راهب تحوم حوله شبهات قويه وإنحرافات أخلاقيه بهذا الشكل؟
وبعد ذلك تأكد لبدير أن مكوثه فى كنيسة إنطاكيه يعنى موته لا محاله فطلب مقابلة الأب ديونيسيوس رئيس البيعه وأدعى أنه فلاح فقير من أهل البشمور فأمر بحبسه حتى إستقر الأمر على ترحيله إلى بغداد وسلموه لعسكر الخليفه وهناك سلموه للريس حسين بن فالح للعمل فى الوقايد فى مطبخ الخليفه ونشأت صداقه بينه وبين بدير فعلمه قراءة وكتابة اللغه العربيه حتى أرتأى فالح تعليمه القرآن ليتمكن من ناصية اللغه حيث يقول بدير "بدأ قلبي ينفتح للإسلام حتى بدأت أرغب فى الإسلام " هكذا ببساطة يتحول راهب للإسلام فلم تسرد انا الكاتبه المراحل التى تكتنف هذا التحول
وعندما رأى الخليفه بدير يمسك الجمر بيديه وهو ينظر للجاريه ريطة فائقة الجمال فبدلا من أن يعاقبه الخليفه على إشتهاؤه جاريته نجده يطلق سراحه ويمنحه الجاريه وبعدها يعمل بدير مع العفيف الوراق والذى كان يشتغل بصناعة الكتب ثم ذهب بدير لبيت المقدس فمكث هناك سنوات حتى أستبد به الشوق لوطنه فعاد لمصر باحثا عن الراهب ثاونا حتى وجده فى برية هبيب حيث سأله ثاونا وهو على فراش الموت " أين صليبك يا بدير" فيرد بدير قائلا"أردت أن أدعوك إلى دينى فأنت من أحب الناس إلى قلبي والإسلام هو دين رحمة ونور ومحبه وبر" فيرد ثاونا ردا غريبا " نحن لا نختار يا بدير لكن الرب هو الذى يختار لنا" وهذا يتناقض مع الأدبيات المسيحيه التى تؤكد على حرية إختيار الإنسان ويكمل ثاونا بقول غير منطقى لراهب يؤمن بعقيدته فيقول" إنى فرح بك تسعى لدفع الناس إلى ما تراه صحيحا" فكيف يفرح لإسلام بدير ودفعه للناس للإبتعاد عن المسيحيه؟