احمد الاشقر

مخ الإنسان هو عضو مدهش ومذهل ويشبه الساحر الكبير الذى يحرك بعصاه كل مايريد تحريكه. وبرغم وزن المخ الإنسانى الخفيف الا انه هو من يحدد خط الحياة وكيف نفكر ونعمل ونحس ونتعامل مع كل البشر والطبيعة وبقية المخلوقات فى البر والبحر والجو. مخ الإنسان هو جهاز معقد للغاية وفريد بين جميع المخلوقات الأخرى ولا يوجد مثيل له فى الحيوانات سواء صغيرة أو كبيرة الحجم والوزن واذا قيل أن الإنسان قريب من الشمبانزى أو الغوريلا أو القرود فهذا التشابه يتمثل فى عدد ومحتويات الجينات فقط وليس فى تركيب المخ وشبكة الإتصالات المعقدة بين اجزاؤه المختلفة والذى يمكن الإنسان من السيطرة على الكوكب وبقية المخلوقات وأن يتمكن من أن يتخذ قرارات احيانا صائبة واحيانا غير صائبة.

 

هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل للإنسان إرادة حرة او أن هناك حرية الإرادة؟ اسئلة شغلت العلماء والفلاسفة منذ اكثر من ٢٥٠٠ سنة، على مر العصور منذ العصر اليونانى والعصر الرومانى إلى علماء الأديان البوذية والمسيحية والإسلام والعصر الحديث. وحالياً وبسبب التقدم العلمى الكبير والقدرة على إجراء الأبحاث والإختبارات والفحوصات على المخ والجهاز العصبى وعرض نتائجها فقد بدء مناقشة موضوع الإرادة الحرة للإنسان على نطاق واسع وخاصة ان هناك مجموعة كبيرة من علماء النفس والباحثين فى مخ الانسان يقولون أن الارادة الحرة وهم وذلك لأن الإنسان لايستطيع التحكم فى العمليات والتفاعلات التى تحدث داخل مخه وان هناك الارادة الإلاهية والظروف الطبيعية التى تحكم الإرادة وتوجهها وهذا يماثل تماما كيفية تعرض الأديان المختلفة لموضوع الإرادة الإنسانية وكيف ناقش علماء الأديان ورجال الدين هذا الموضوع وحددوا حرية الإرادة مستندين الى الكتب السماوية، فى الإسلام مثلاً بالقران والسنة. ونظراً لأن الإنسان هو المسؤول عن الكوكب الذى يعيش عليه فقد ظهرت نظريات وآراء عديدة فى شأن هذا المخلوق العظيم وعن إرادته الحرة او حرية إرادته.

 

ومما هو جدير بالذكر أن المصطلح "حرية الإرادة" لم يكن معروفا قبل الميلاد بل تم تقسيم دوافع الروح إلى ثلاث مجموعات مجموعة سفلى وهى الشهوات ومجموعة وسطى وهى الطموحات ومجموعة عليا وهى الأمنيات. ثم جاء التفريق بين حرية الإرادة وحرية التعامل والفعل على ان حرية الفعل توجد عادة عندما يتم الفعل على أساس حرية الإرادة وفى العصر الحديث يقول الفلاسفة أن حرية الإرادة تؤدى إلى حرية الفعل كما اكدوا أن الكوكب الذى نعيش عليه ومايحدث فيه من بناء وهدم من مسؤولية الإنسان وارادته وتوافقها مع الإرادة الإلاهية. على أن هناك ايضا النظرية التى تقول أن حرية الإرادة الإنسانية تكمن فى موافقته على القضاء والقدر.

وهناك ايضا حرية الإرادة التى لايصاحبها حرية العمل وهذا لايرجع إلى ضعف الإرادة ولكن لقوانين الطبيعة والتى يحاول الإنسان دائما التغلب عليها. وهناك ايضاً النظرية أن الإنسان حر فى الإختيار فقط فيما يعرض عليه أو يقابله وهذه النظرية يتبناها علماء السيكولوجى. وهناك ايضاً من يرى حرية الإرادة فى راحة البال وعدم الخوف وخاصة من الألم والشهوات. وهناك من يربط بين حرية الإرادة وحركة الذرات داخل الجسم حيث أن حركة الذرات محدودة وتنحرف قليلاً جداً عن المدار المحدد لها وكذا حرية الارادة عند الانسان محدودة ومحددة ومع هذه الحرية البسيطة تنشأ الحرية والمسؤولية. على أن هناك من يؤمن أن الروح قادرة على التأثير على الأعضاء والأجهزة المختلفة وانه ليس المخ والطبيعة وحدهما القادرين على التغيير.

واذا كنا نقول أن الإنسان اذن مسير وليس مخير وأن المخ يتخذ القرار قبل الإرادة فكيف يجمع المخ اذن المعلومات المختلفة ويتعامل معها فى اجزاء صغيرة جداً من الثانية ويتخذ القرار ويمليه للإرادة التى تقوم بدورها فى التنفيذ؟ هنا يأتى دور الحواس الخمسة: السمع والبصر والشم والتذوق واللمس. هذه الحواس تقوم بنقل الإشارات بسرعات كبيرة جدا من خلال أطراف الأعصاب الموجودة فيها إلى خلايا المخ التى بدورها توزع ماوصل اليها من إشارات الى الاماكن المقصودة داخل أجزاء المخ المعنية والتى بدورها ترسل الإشارات الى أعضاء الجسم لاتخاذ القرار الضرورى وهذا كله يحدث فى زمن أقل من الثانية. على سبيل المثال فاذا لمس الإنسان جسم ساخن بيده بدون قصد فالاشارة تصل الى المخ الذى يتجاوب ويرسل الإشارة الى اليد لتنسحب بسرعة من الجسم الساخن وهذا كله يحدث فى اقل من الثانية.

وهذا المثال البسيط يوضع كيف أن المخ قد اتخذ القرار وأرسل أوامره الى عضلات اليد للتنفيذ وسحبها من الجسم الساخن. وهذه العمليات لاتتم بهذه السهولة التى ذكرتها وذلك لان المخ يعمل بطرق معقدة للغاية تفوق الطرق التى يستخدمها الحاسب الالكترونى بكثير. فالأعصاب والأجزاء الخاصة بالاحساس تترجم الأحاسيس وتنقلها الى الاعصاب والأجزاء الخاصة بالحركة والتى بدورها ترسل الإشارات الى الاعصاب العديدة المنتشرة فى اجزاء العضلات والتى تؤدى الى انقباضها وسحب اليد.

 

وسحب اليد يتم عادة بطريقة لاارادية وتنفيذاً لأوامر المخ.

 

وهنا يبرز السؤال كيف تنشأ الأفكار فى مخ الإنسان وماهو منبعها؟ الأفكار كما نعرف هى قوى خفية فعالة تحرك كل إنسان يجتهد فى الوصول الى التقدم والرقى والحصول على الأفضل.