ياسر أيوب
الاستسلام ليس دائمًا خيارًا وحيدًا أمام من لا يملكون القوة أو المال، لكنهم يملكون الحق فى أن يحلموا ويحاولوا.. وحتى لو لم ينجح هؤلاء الذين رفضوا الاستسلام سيكفيهم شرف المحاولة.. ويكفيهم أيضًا أن ينتصروا ولو مرة واحدة يعلنون فيها عن أنفسهم ويمارسون فرحة جميلة حتى إن كانت قصيرة ومؤقتة.. تفيض كرة القدم بهؤلاء الذين رفضوا الاستسلام وكانوا الصغار الذين فاجأوا الجميع بالفوز على الكبار.. وكانت بطولة كأس فيفى لكرة القدم واحدة من أجمل وأغرب حكايات التمرد الكروى، رغم أنه نادرًا ما يكتب أو يقرأ عنها أحد.. كأن هناك اتفاقًا غير مكتوب بين كثيرين على تجاهل هذه الحكاية بكل معانيها وتفاصيلها.. ففى ٢٠٠٦..
كانت هناك بلدان ومناطق متنازع عليها سياسيًا حاولت وفشلت فى أن تنال اعتراف الفيفا بها، ولم تستلم لذلك وقررت أن تتحدى الفيفا وتنظم بطولة كأس عالم خاصة بها استضافتها مدينة هامبورج بألمانيا فى الفترة من ٢٩ مايو إلى ٣ يونيو.. أى قبل ٦ أيام فقط من استضافة ألمانيا مونديال ٢٠٠٦، الذى أقيمت بعض مبارياته أيضًا فى مدينة هامبورج.. وحملت بطولة التحدى اسم كأس فيفى، استنادًا إلى الأحرف الأولى من أربع كلمات باللغة الإنجليزية تعنى اتحاد الكرة الدولى للمستقلين.. وشارك فى كأس فيفى كل من جرينلاند التابعة سياسيًا للدنمارك.. وزنزيبار فى تنزانيا.. والتبت التى ترفض الصين استقلالها.. ومنطقة جبل طارق المنفصلة عن إسبانيا.. وقبرص الشمالية التى رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بها.. واستضاف هؤلاء نادى سانت باولى فى هامبورج، والذى كان وقتها يمثل منطقة متمردة شمال المدينة بالقرب من الميناء، والتى اعتادت فتح أبوابها لاستقبال المتشردين واللاجئين الذين ترفضهم أوروبا.. وكان من الطبيعى أن يحرص نادى سانت باولى على استضافة كأس فيفى التى أصبحت وقتها رمزًا لتحدى الفيفا وكرة القدم التجارية المقصورة على الأقوياء والأغنياء.. وانتهى الدور الأول للبطولة بتأهل سانت بولى وجبل طارق لقبل النهائى من المجموعة الأولى وقبرص الشمالية وزنزيبار من المجموعة الثانية..
وفى قبل النهائى فازت قبرص الشمالية على جبل طارق، وفازت زنزيبار على سانت بولى فى المباراة الثانية.. وشهدت المباراة النهائية انتهاء الوقت الأصلى بتعادل قبرص الشمالية مع زنزيبار بدون أهداف.. وبعد جدل طويل لعب المنتخبان ضربات الترجيح التى انتهت بفوز قبرص الشمالية بكأس فيفى.. وكان من المفترض أن تصبح هذه البطولة بداية لحكاية كروية طويلة لمن لا يقبلهم الفيفا، خاصة أن كثيرين وقتها اهتموا بها.. لكن الضغوط السياسية والإعلامية قتلت الحكاية ومنعت تداول أخبارها خشية أن تثير كرة القدم أزمات سياسية أكبر من فيفى ومن فيفا أيضًا.
نقلا عن المصري اليوم