بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى وعضو إتحاد كتاب مصر
يتطلع المرتل إلى كنيسة المسيح، فيراها وقد امتلأت مجدًا، لأن مسيحها في وسطها هو سرّ مجدها الأبدي. بمجيئه تلألأ تاريخ العهد القديم وأحداثه، وتجلت معانيه المبهجة، كما فُهمت النبوات، وتمتعت البشرية بتسابيح متهللة وتعاليم مبهجة، وانكشفت أسرار سماوية، وصارت لها امتيازات فائقة ووعود إلهية.
هذا ما لمسه أنبياء العهد القديم، وكما رأى إشعياء النبي: "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتًا في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه كل الأمم، وتسير شعوب كثيرة ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب، إلى بيت إله يعقوب؛ فيعلمنا من طرفه، ونسلك في سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب" (إش 2: 2-3).
أين نجد هذه الأقوال المجيدة؟ كل الأنبياء تحدثوا عن هذه المدينة. يقول إشعياء: "استيقظي، استيقظي، البسي عزك يا صهيون" (إش 52: 1). وأيضًا: "أنا مدينة قوية، المدينة التي انهارت" (راجع إش 27: 10؛ 26: 1، 5؛ 25: 2، 12). يقول داود في مزمور: "نهر سواقيه تفرح مدينة الله" (مز 46: 4)... وأيضًا يتكلم المخلص نفسه عن هذه المدينة بطريقة مجيدة: "لا يُمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبلٍ" (مت 5: 14).
القديس جيروم: هذا القول غير لائق بأورشليم العتيقة بل بالجديدة، وهي كنيسة المسيح التي ما قيل عنها مجيدة، ليس فيها مقولات بشرية حقيرة؛ إنما أقوال إلهية مجيدة.
الأب أنثيموُس الأورشليمي: يوجد عشرات الألوف من الملائكة هناك، اجتماع القديسين، وكنيسة الأبكار المُسجلة في السماء. "أعمال مجيدة قيلت عنكِ يا مدينة الله" (مز 87: 3 ). يعد الله هذا المدينة بإشعياء: "أجعلك فخرًا أبديًا، فرح دور فدورٍ... لا خراب أو سحق في تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصًا" (إش 60: 15، 18). لذلك إذ ترفع عيني نفسك أطلب كما يليق الأمور العلوية، ما يخص مدينة الله. أي شيء يمكن أن يعتبره أحد ما مستحقًا للسعادة في هذه المدينة التي يفرَّحها نهر الله، والتي الله هو صانعها وخالقها؟
يُعَّرف البعض المدينة بأنها اجتماع لكائنات في جسم واحد منظم، يحكمه القانون... وهذا التعريف الذي أطلق على المدينة يتناسب مع أورشليم العليا... المدينة السماوية، لأن هناك كنيسة أبكار المكتوبة أسماؤهم في السماويات (عب12: 23)، لأنها منظمة أيضًا حيث انسياب حياة القديسين لا يتوقف، ويحكمها القانون السماوي، لا يمكن للطبيعة البشرية إدراك مدى استعداد هذه المدينة ونظامها لأنه "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو2 : 9). أيضًا يوجد في هذه المدينة ربوات من الملائكة... وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات (عب12 :3،2)... يذكر داود هذه المدينة فيقول: "قد قيل بك أمجاد يا مدينة الله (مز 87 :3) ما وعد الله لهذه المدينة ينقله لنا إشعياء: "أجعلك فخرًا أبديًا... فرح... دور فدور" لا يسمع بعد سحق في تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصًا (إش60 :15،18). فلنرفع عيون نفوسنا، ولنبحث عن الخيرات العليا اللائقة بمدينة الله.
وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا مز 87: 5.
يرى المرتل كأن الرب المشغول بخلاص البشر قد أمسك بكتاب يسجل فيه حسابات أو تعداد كل الشعوب القادمة للإيمان. كما يهتم بكل واحدٍ منهم باسمه، ليمجده.
يرى القديس جيروم أن الرب يعد تلاميذه ليسجلوا للشعوب عن مجيء هذا الابن العلي المولود في صهيون، يسجلوا هذا في الأسفار المقدسة.
كتب أفلاطون كتبًا، لكنه كتب لقلة وليس لكل الشعوب... أما رؤساء الكنيسة (التلاميذ والرسل) فلم يكتبوا فقط لقلة، إنما لكل أحدٍ دون استثناء.
الأب أنثيمُوس الأورشليمي صهيون العقلية كما ذكرنا هي كنيسة الأبكار المكتوبين في السماوات، كما قال ربنا له المجد: "افرحوا لأن أسماءكم كتبت في السماوات. فالشعوب وأراخنتهم، أعني بهم الرسل ومعلمي الشعوب الذين ولدوا فيها ولادة روحية. وهم عدد كبير لا يقدر إنسان أن يحصيهم؛ ولا ينطق بكميتهم سوى الرب المولود بالجسد. لهذا قال لتلاميذه: إن شعور رؤوسكم محصاة... وقد جاء في ترجمة سيماخوس: وأما عن الأمم فسيُقال لكل أحدٍ: "إنسان ولد هناك، وهو العلي الذي أسسها. الرب الذي معه كتاب الشعوب هو وُلد هناك". المدينة المتهللة وَمُغَنُّونَ كَعَازِفِينَ كُلُّ السُّكَّانِ فِيكِ.
القديس جيروم يتحدث النبي مع الكنيسة ويخبرها أن كل الذين يسكنون فيها كما لو كانوا مملوئين بالفرح والبهجة.
يعلق كل من القديسين أغسطينوس وجيروم على حرف "ك" في كلمة "كعازفين"، فالفرح في مدينة يختلف عن ذاك الذي يطلبه البعض هنا. يجد البعض فرحهم هنا في الخمر والموائد والطمع الخ. أما سكان مدينة الله فيتعرضون لمتاعب هنا وضيقات لكنهم ينعمون بالفرح السماوي الأبدي.
الأب أنسيمُس الأورشليمي تكون الأمم كلها صفوفًا، مرتلين ومسبحين لله بفرحٍ وسرورٍ، ساكنين في المدينة السابق تفسيرها التي أساساتها مبنية على الجبال المقدسة، وهي غير مختفية. وكما قال ربنا له المجد لأنها مبنية على جبلٍ. أما أبوابها ومداخلها فهي عندنا. وأما في وسطها فساكن فيها كافة المؤمنين مصطفين بنظامٍ إلهيٍ ومملوءين من كل فرحٍ روحي. وهي التي بناها المسيح الإله.