محمد أبو الغار
بالرغم من عدم اهتمام المواطن الأمريكى العادى بالثقافة الراقية وبالفن بكافة صنوفه، مقارنة بالمواطن الأوروبى العادى، إلا أنه إذا كان الاهتمام يشمل ١٥٪ فقط من السكان، فهذا يعنى أن هناك ٤٥ مليون مواطن مهتم بالفن والثقافة، والغالبية العظمى منهم متعلمون تعليما راقيًا، وأغلبهم أحوالهم المادية تسمح لهم بالمشاركة فى النشاطات الثقافية والفنية، وهذه النسبة أقل بكثير من النسبة فى أوروبا، حيث تزيد نسبة المهتمين بالثقافة والفنون على ٥٠٪ من المواطنين.

دخول المتاحف فى أمريكا مكلف بالنسبة للمواطن العادى، لكن هناك تخفيضات تصل إلى الدخول مجانًا للطلبة، وفى العاصمة واشنطن جميع المتاحف الحكومية مجانية تمامًا. هذا العام شهد المتحف القومى للفنون الجميلة معرضًا مهما عن بدايات فن الرسم التأثيرى والذى بدأ أساسًا فى فرنسا فى عام ١٨٧٤. وقد استطاع المتحف عرض معظم الأعمال التى رسمها كبار التأثيريين فى البدايات من كل متاحف العالم، ومن المجموعات الخاصة. وصلنا بالضبط فى العاشرة، وهو ميعاد الافتتاح، وكان هناك طابور وعندما خرجنا من المتحف كان طابور الدخول أصبح طوله كيلومترًا. هذا المتحف العظيم الذى زرته من قبل عدة مرات به مجموعات رائعة من الفن العالمى.

فى واشنطن زرت متحف شكسبير وهو متحف أقامته عائلة أمريكية استطاعت أن تجمع الأوراق والأعمال والأحداث الموثقة منذ عدة قرون وضمها فى متحف رائع، ومازالوا فى دور الاقتناء لكل ما يكتشفون وجوده.

أما المعرض المذهل الآخر فكانت تنظمه عائلة أمريكية تهتم بجمع الطبعة الأولى من الكتب المهمة فى تاريخ البشرية، فقد عرضت النسخ الأولى من كتاب داروين عن أصل الأنواع، وكتاب العالم الفذ كوبرنيكس وكتاب جاليليو، العالم الذى أصدرت عليه الكنيسة فى الفاتيكان الحكم بالإعدام لأنه أثبت أن الأرض كروية. والنسخة الأولى من الإنجيل المطبوع ونسخة قديمة جدًا من القرآن، ونسخة من أول كتاب طبع بالإنجليزية، وكتاب كولومبوس الذى اكتشف أمريكا، ورواية دون كيشوت، وأول كتاب فى تشريح الإنسان، وإسحق نيوتن وغيرها الكثير.

ذهبت إلى مكتبة الكونجرس الأمريكية، وكنت قد راسلتهم من القاهرة، موضحًا تاريخ زيارتى وما هو المطلوب لمساعدتى فى كتابى القادم عن الملك فؤاد، وعندما وصلت طلبوا منى إصدار كارنيه يسمح لى بالزيارة وملأت استمارة على الإنترنت، واطلعوا على جواز سفرى وصدر الكارنيه الدائم فى ١٠ دقائق، ووجدت ما طلبته فى انتظارى. وحيث إن المكتبة ضخمة وبها ٨٨٣ مليون كتاب فى ١٧٣ مليون موضوع فيستحسن أن تطلب مسبقًا ما تريده ليوفر لك الوقت. وصورت ما أريد بالتليفون المحمول. وأخذنا الدكتور مهند صلحى، رئيس القسم العربى، إلى قسم آخر به كتب وأوراق بالإنجليزية عن الملك فؤاد، ومشينا سويا فى ممرات تحت أرض المكتبة للوصول بسهولة، وكان مهتمًا بمساعدتى بدون سابق معرفة. وعندما أقارن ذلك بما حدث حين طلبت أن أزور دار الوثائق المصرية فى بلدى ووطنى للاطلاع على وثائق عمرها أكثر من مائة عام طلب منى تقديم طلب مصحوبًا ببعض المستندات والأوراق، وقدمت الطلب وقيل لى إنه سوف يحال إلى جهة أمنية، وكان ذلك منذ عامين، ولم تأت الموافقة حتى الآن، وللأمانة فهذا ليس أمرا شخصيا، وإنما يحدث للأغلبية العظمى من الباحثين، ولذا لم أحاول التقدم مرة أخرى للبحث فى تاريخ الملك فؤاد ولجأت إلى دور الوثائق البريطانية والأمريكية والإيطالية والألمانية، وكلهم تعاونوا واهتموا. كانت بصحبتى حفيدتى فى الزيارة فطفت معها بالبيت الأبيض والكابيتول مقر الكونجرس، والنصب التذكارى الذى بنى على غرار المسلات المصرية، وزرنا متحف التاريخ الطبيعى، وهو من أروع متاحف العالم عن تاريخ الإنسان والحيوان، وذهبت وحدها إلى متحف الفضاء والذى يعرض فيه كيفية الصعود إلى القمر والمركبة الفضائية التى وصلت للقمر.

مما لا شك فيه أن وجود الصديق توماس جورجسيان فى واشنطن يجعل لزيارة المدينة نكهة خاصة. المشى معه فى الشوارع والحديث عن أسرار المدينة وما يحدث فيها شىء ممتع. دعانا توماس للعشاء فى نادى الصحافة الأمريكية، وهو مبنى كبير يشغل دورين، الحوائط عليها صور الصحفيين المهمين فى تاريخ أمريكا والرؤساء والسياسيين الكبار الذين زاروا النادى. يلتقى فى النادى كل الصحفيين يتبادلون الأخبار والمعلومات وجميع الصحف متوفرة هناك. كانت سهرة ممتازة فيها من الثقافة والسياسة والتاريخ والمعلومات الكثير.

الصحافة الأمريكية لها دور كبير فى التأثير على المجتمع الأمريكى، بل والعالم كله، واستطاعت الصحافة أن تطور نفسها مع تقدم التكنولوجيا والفضائيات فأصبحت الصحافة الإلكترونية مهمة جدًا. النيويورك تايمز تبيع ٨٠٠ ألف نسخة ورقية و٨.٣ مليون نسخة إلكترونية، والنسخ الإلكترونية تضاف إليها الأخبار الحديثة فور وقوعها، فيمكنك أن تفتح التليفون أو الكمبيوتر على صفحة الجريدة لتجد الحدث المهم الذى وقع منذ دقائق مكتوبًا بالتفصيل بل وبالتعليق عليه ربما قبل التليفزيون.

دعانى على العشاء الصديق عادل شلبى (أليكس)، وهو الذى كان الرئيس التنفيذى لشركة موبينيل فى مصر، وهو مثقف كبير وقارئ عظيم ووطنى يتحدث عن والده وأهله القادمين من شمال الدلتا.

فى مدينة دنفر فى كلورادو كان المؤتمر والنقاشات الطبية عن كل ما هو جديد. ونحن نحافظ منذ ٢٠ عامًا على إعطاء برنامج علمى من ٨ صباحًا إلى ٥ مساءً فيه محاضرات عن الجديد باسم جمعية الشرق الأوسط للخصوبة التى تشرفت بأن أكون أول رئيس لها منذ عام ١٩٩٢، واتفقنا فى قانون الجمعية على أن تكون الرئاسة لفترة واحدة لمدة عامين، وهو مازال يحدث إلى الآن منذ أكثر من ثلاثة عقود، وذلك للحفاظ على الديمقراطية والتغيير وتداول السلطة، ومازلت رئيسًا لتحرير المجلة العلمية الخاصة بالجمعية التى أصبح لها وضع عالمى وتنشر أبحاثًا من العالم كله.

زرت ابن أختى، د. محمد يس، وزوجته د. هدى زكريا عبدالحميد، وكلاهما فى جامعة بيتسبرج فى ولاية بنسلفانيا، وهى كانت أهم مدينة فى صناعة الصلب فى العالم حتى النصف الثانى من القرن العشرين، وتوقف ذلك وتحولت إلى التكنولوجيا الحديثة، وبها معرض فنى للفنان الأمريكى أندى ورهول الذى يحبه أحفادى ولكنى لا أعتبره فنانًا عظيمًا.

موضوع المصريين المهاجرين لأمريكا، مسيحيين ومسلمين، وما حدث لهم وللجيل الثانى يستحق دراسة جيدة لأنه موضوع مهم، وهناك اختلافات واسعة بين الأجيال والأفكار.

زرت لمدة يوم واحد شيكاغو، وذلك لمقابلة المهندس كميل حليم الذى أقام متحفًا عظيمًا به ١١٠٠ ساعة ضخمة كلها أثرية، وكل واحدة تاريخها محفوظ، وفى نفس المبنى متحف به مجموعات كبيرة من الزجاج الملون المعشق الذى كان موجودًا على نوافذ الكنائس والقصور القديمة ونقلها إلى متحف بديع أضاف له جزءا عن تاريخ مصر، بدءًا من مصر القديمة وحتى العصر الحديث. وقد دعا كميل وزوجته د. هدى فريق البرشا الذى قدم فيلم «رفعت عينى للسما» للاشتراك فى مهرجان شيكاغو للسينما، ولذا ذهبت بالطائرة من واشنطن بصحبة توماس وعدنا فى نفس اليوم بعد أن شاهدنا المتحف وقابلنا بنات البرشا ومخرجى الفيلم أيمن الأمير وندى رياض.

الثقافة شىء مهم بالنسبة للإنسان، تعطيه إضافة ونشاطا ومتعة، والسفر للعمل فقط أمر سخيف، وإضافة متعة الفن والثقافة تعطيه مزاجًا آخر ومتعة أخرى.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم