ياسر أيوب
فى شهر أكتوبر منذ خمسين سنة.. شهدت مدينة كينشاسا، عاصمة زائير وقتها والكونجو الديمقرطية حاليا، سابع أعظم حدث فى التاريخ الرياضى العالمى.. فلم تكن مجرد مواجهة بين محمد على كلاى وجورج فورمان ليصبح الفائز منهما بطلا للعالم فى ملاكمة الوزن الثقيل.. إنما لقاء كانت له معانٍ كثيرة وأصبحت له نتائج أكثر.. والحكاية كلها بدأت كمجرد فكرة أو حلم لتاجر ملاكمة شاطر اسمه دون كينج الذى أراد مواجهة بين فورمان بطل العالم القوى الذى من الصعب أن يخسر.

وكلاى الذى كان بطلا سابقا لكن جردته الولايات المتحدة من ألقابه ومنعته من ممارسة الملاكمة بعد رفضه الحرب مع الجيش الأمريكى فى فيتنام حتى برأته المحكمة العليا.. وأدرك دون كينج أن لقاء كهذا سيحرص كثيرون جدا فى العالم كله على متابعته.. ونجح الرجل فى إقناع البطلين بخوض هذا اللقاء مقابل خمسة ملايين دولار لكل منها وكان مبلغا ضخما جدا فى 1974.

وبدأ دون كينج بعد الاتفاق يبحث عمن يدفع له المال وعن مكان يقيم فيه اللقاء لأن دون كينج لم يكن مسموحا له تنظيم لقاءات ملاكمة فى الولايات المتحدة.. ولم يجد دون كينج إلا رجلين يستطيع أى منهما القيام بذلك.. القذافى فى ليبيا أو موبوتو فى زائير.. ونجح دون كينج فى الاتفاق النهائى مع موبوتو بعدما أقنعه بأن إقامة هذا اللقاء فى بلده وتحت رعايته سيحقق له شهرة ومكانة عالمية سينسى معها الناس أى اتهامات تلاحقه بالديكتاتورية والفساد.

وكانت المرة الأولى التى يتم فيها استخدام الرياضة بشكل علنى للتجميل السياسى بعيدا عن موسولينى ومونديال 1938 وهتلر ودورة برلين الأوليمبية 1936.. وأصبحت سابقة تكررت فى بلدان كثيرة فيما بعد.. وبالفعل أقيم اللقاء فى 30 أكتوبر 1974 الذى فاز به كلاى واستعاد بطولة العالم وانتصر على كل الذين حاربوه وأهانوه.

أصبح هذا اللقاء أعظم مباراة ملاكمة فى التاريخ حيث شاهدها 60 ألف متفرج فى الاستاد ومليار مشاهد عبر التليفزيون.. وبلغت الأرباح 100 مليون دولار.. كما ألغى هذا اللقاء أيضا قواعد الجغرافيا وضرورة إقامة الأحداث الرياضية الكبرى فى أوروبا والولايات المتحدة ضمانا لنجاحها ورواجها.. كما تحول هذا اللقاء أيضا إلى درس استفاد منه كثيرون جدا فيما بعد حول كسب جمهور أى بلد بسلوك بسيط.

فعلى الرغم من تشابه كلاى وفورمان فى لون البشرة مما يعنى أن الأفارقة لن ينحازوا بوضوح لأحدهما ضد الآخر.. إلا أن فورمان المتجهم والمغرور والذى يصطحب كلابه فى كل مكان أجبر جمهور زائير على الانحياز لكلاى المبتسم والبسيط والإنسان صاحب الحقوق الضائعة مثل كل الأفارقة.
نقلا عن المصري اليوم