القمص يوحنا نصيف
    معجزة إقامة ربنا يسوع المسيح لابن أرملة نايين، والتي نقرأها في إنجيل الأحد الرابع من شهر بابه، هي معجزة انفرد بذكرها إنجيل معلمنا القديس لوقا (لو7: 11-17)، وهي إحدى ثلاث معجزات لإقامة موتى ذكرهم الكتاب المقدّس بالتفصيل، مع إقامة ابنة يايرس (مت9، مر5، لو8)، وإقامة لعازر (يو11).

    هذه المعجزة تحمل العديد من المعاني الجميلة.. وسأكتفي ببعض تأملات تلّغرافية مختصرة في بعض هذه المعاني:
    + منظر الشاب المحمول ميّتًا، هو منظر البشريّة التي كانت سائرة إلى الهاوية، فافتقدها المسيح وغيّر مسارها.. أحياها وعاد بها مرّة أخرى..!

    + وهو أيضًا منظر كلّ نفس ماتت في الخطيّة، والكنيسة تبكي عليها.. فيأتي المسيح ويحييها، ويردّها بفرح لحضن الكنيسة أمّها..!

    + المسيح هو الشخص الوحيد الذي يُمكنه إيقاف مسيرة الموت هذه.. هو الوحيد القادر على تحويل الموت إلى حياة والأحزان إلى أفراح.. هو الوحيد الذي يستطيع إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت..!

    + الموت هو ثمرة الخطيّة.. ثمرة مُرّة جدًّا.. تكشف عن بشاعة الخطيّة، وخطورة الاستهانة بها مهما بَدَتْ صغيرة..!

    + منظر الجنازة يكشف كيف أنّ الإنسان لن يخرج من العالم بشيء.. فلابد أن يعمل حسابًا لهذا اليوم، ولا يضع رجاءه في هذا العالم ولا في أمواله أو ممتلكاته أو كرامته.. ولعلّ القدّيسين من أمثال الأنبا بولا أول السواح يعطوننا النموذج الجميل في احتقار أباطيل هذا العالم..!

    + "تحنّن عليها، وقال لها لا تبكي".. حنان المسيح هو قاعدة الانطلاق التي نبعت منها كلّ تدابير خلاصنا، فهو غُلِبَ من تحنُّنه وأرسل لنا ذراعه العالية (ثيؤطوكيّة الإثنين).. وحنانه ومراحمه لا تزال ينبوعًا يفيض بالبركة والفرح على كلّ المُقبِلين إليه..

    + "ثم تقدّم ولمس النعش".. لَمْس النعش إشارة للتلامس مع محبّة المسيح وقوّته، وإشارة أيضًا إلى القوّة التي نحصل عليها من التلامس مع جسد المسيح ودمه الأقدسين في التناول من الأسرار المقدّسة..

    + "أيها الشاب لك أقول قُم".. كلمة المسيح مُقتدرة في فعلها.. لقد استَدعى بكلمة بسيطة روح الشاب من أعماق الهاوية.. فهو القادر أن يهب الحياة لمن يشاء (يو5: 21) لأنه رئيس الحياة (أع3: 15).. لذلك عندما مات على الصليب لم يستطِع الموت أن يمسكه (أع2: 24)، بل هو الذي ربط الشيطان وكسر سلطانه علينا..

    + "فجلس الميت وابتدأ يتكلّم، فدفعه إلى أمّه".. بعد القيامة (التي ننالها في سِر المعموديّة، وتمتدّ في حياتنا بالتوبة) يُقدّمنا المسيح إلى الكنيسة أمّنا، لكي نرتمي في أحضانها، ونعيش تحت ظِلّ أمومتها.. نتمتّع بغناها ودفء محبّتها، وبما تُعِدّه لنا من أطعمة لذيذة ومغذية، التي هي الأسرار المقدّسة والتعاليم الآبائية المُشبِعة..!

    + "افتقد الله شعبه".. هو دائمًا يفتقدنا.. يمرّ علينا.. يريد أن يغيّر حياتنا إلى أفضل.. يهتمّ بأن يُحوِّل أحزاننا إلى أفراح.. ودموعنا إلى بهجة وتهليل.. يشتاق أن يغيِّر مسيرتنا من الاتجاه للقبر إلى اتجاه العودة مرّة أخرى للحياة..

    الله دائمًا يفتقدنا بلمساته وكلماته، فطوبى لمن يتجاوب مع هذه اللمسات وتلك الكلمات.. فهي في متناول أيدينا إذ نتلامس معه في سرّ الإفخارستيا ونتغذّي من فمه بكلمات الحياة الأبديّة.. فتتجدّد حياتنا، ويتغيّر مسارنا، وتتحوّل الأحزان والدموع والحسرة إلى أفراح وتهليل وبركات..!

القمص يوحنا نصيف
نوفمبر 2024