محرر الأقباط متحدون
اختيار الأب الأقدس للتأمل في قلب يسوع المسيح ومحبته في هذه الفترة تحديدا، وكون الرسالة العامة الجديدة Dilexit nos (لقد أحبنا) مفتاحا لقراءة حبرية البابا فرنسيس وروحانيته. كان هذا من بين ما تم التطرق إليه خلال مقابلة أجراها موقع فاتيكان نيوز مع الأب اليسوعي أنطونيو سبادارو وكيل الدائرة الفاتيكانية للثقافة والتربية والمدير السابق للمجلة اليسوعية La Civiltà Cattolica (الحضارة الكاثوليكية).

كانت الرسالة العامة الجديدة للبابا فرنسيس، الرابعة للأب الأقدس، Dilexit nos (لقد أحبنا)، محور مقابلة أجراها موقع فاتيكان نيوز مع الأب اليسوعي أنطونيو سبادارو وكيل الدائرة الفاتيكانية للثقافة والتربية والذي كان مدير المجلة اليسوعية La Civiltà Cattolica (الحضارة الكاثوليكية) في الفترة من 2011 حتى 2023. وأجاب الأب سبادارو أولا على سؤال إن كان يعتبر الرسالة العامة الجديدة، والتي تستعيد تقليد وآنية الفكر حول الحب البشري والحب الإلهي لقلب يسوع المسيح، مفتاحا لقراءة خدمة البابا فرنسيس. وقال في إجابته إن هذه الوثيقة توضح روحانية البابا فرنسيس، وبالتالي يمكننا بشكل ما القول إنها مفتاح لقراءة حبريته بكاملها وذلك لأنها مفتاح قراءة للشخصية الروحية للبابا. وتابع الأب اليسوعي مشددا على ضرورة عدم نسيان أن إحدى العلامات الهامة في حبرية البابا فرنسيس كانت سنة الرحمة، ما يعني أن الرحمة، القلب الذي يصير قريبا والذي يحب بعمق، العواطف والمشاعر الحميمة هي في مركز خدمة البابا فرنسيس التي يحركها التمييز. والتمييز، وحسبما تابع وكيل الدائرة الفاتيكانية، هو السعي إلى فهم كيف يتكلم الرب من خلال المشاعر التي هي موجهة إلى القلب. وأكد الأب سبادارو بالتالي كون الرسالة العامة Dilexit nos (لقد أحبنا) وأيضا الإرشاد الرسولي GAUDETE ET EXSULTATE (افرحوا وابتهجوا) تعبيرا عن روحانية البابا فرنسيس يوضح حبريته بكاملها.

أين يمكن بشكل أكبر في الوثيقة الجديدة لمس خبرة خورخي ماريو برغوليو الروحية ولقائه الشخصي مع المسيح وتلك المحبة إزاء الجميع؟ كان هذا سؤالا آخر أجاب عليه الأب أنطونيو سبادارو فقال إن فرنسيس يَعتبر نفسه خاطئا خلصته محبة الرب، فهكذا تحدث البابا عن نفسه منذ أول مقابلة أُجريت معه سنة 2013 عقب انتخابه بفترة قصيرة. الأولوية بالنسبة له هي لمحبة الرب، والارتداد هو ثمرة هذه المحبة، قال الأب اليسوعي وأضاف ناقلا عن القديس اغناطيوس أنه إن لم تكن هناك علاقة مباشرة ولمس للمحبة ومعرفة داخلية بالرب من أجل محبته واتباعه بشكل أفضل، فلن يكون هناك ارتداد حقيقي. وتابع وكيل الدائرة الفاتيكانية أن كتابة رسالة عامة حول القلب تعني أن الدخول إلى قلب المسيح يمَكننا من الشعور بكوننا محبوبين من قِبل قلب مُحب مفعم بمشاعر مثل مشاعرنا. ويرى الأب سبادارو من هذا المنطلق أن روحانية البابا فرنسيس هي بعيدة جدا عن الأشكال غير المتجسدة والصارمة، فالبابا يرى أن الروحانية تمس بعمق النفس البشرية والمشاعر والبعد الجسدي للكائن البشري.

تطرقت المقابلة بعد ذلك إلى تعليم البابا فرنسيس والذي قد يرى البعض أنه يركز على الجانب الاجتماعي، وقال الأب سبادارو إن تعليم الأب الأقدس لا يقتصر على جانب واحد أيا كان، إلا أن الإيمان الذي لا يترجَم إلى أفعال يصبح ميتا وبلا معنى. ومن هذا المنطلق فمن البديهي أن البعد الاجتماعي، أي التعليم الاجتماعي للبابا فرنسيس، هو ثمرة مباشرة لروحانيته وبالتالي أيضا لروحانية قلب المسيح. وتابع الأب اليسوعي أن البابا يقول هذا بوضوح في الرسالة العامة الجديدة حين يشدد على ضرورة التحلي بالشفقة إزاء الأرض الجريحة، ويُبرز الأب الأقدس كيف يمد يسوع يده ليشفي. وأراد الأب سبادارو تسليط الضوء في هذا السياق على أن البابا يربط تعليمه السابق أيضا بهذه الصورة، فهو يتحدث مثلا في الرسالة العامة Fratelli tutti عن أن العلاقات الأخوية ممكنة لأننا نتشبع بمحبة الرب، وبفضل هذه المحبة يمكننا إقامة روابط أخوّة وأن نعتني أيضا معا ببيتنا المشترك. وتابع وكيل الدائرة الفاتيكانية أنه ليس من الصحيح الفصل بين التعليم الاجتماعي والتعليم الروحي، فالقلب هو بدون شك في جوهر كليهما.

تم التذكير في المقابلة بعد ذلك بحديث البابا فرنسيس في الفصل الأول عن استلهامه من كتابات لم تُنشر لابنه الروحي الأب دييغو فارس الذي توفي سنة ٢٠٢٢ والذي كان يكتب على صفحات مجلة "الحضارة الكاثوليكية" خلال إدارة الأب سبادارو لها. وتحدث المدير السابق بالتالي عن الأب فارس فقال إنه كان صديقا عزيزا جدا وكان قد جاء إلى روما عقب انتخاب البابا فرنسيس تاركا ما كان يقوم به من عمل. وأوضح الأب سبادارو أن الأب فارس كان يقوم في الأرجنتين حينها بعمل مزددوج حيث كان يهتم بمراكز الاستقبال المخصصة لمرضى المراحل الأخيرة وتلك المخصصة لمن هم بلا مأوى. كان عماله المزدوج هذا يعانق حياته بالكامل، واصل الأب اليسوعي، وكان تَوجهه الروحي مرتبطا بشكل كبير بالتمييز فيما يتعلق بالمشاعر الداخلية، أي أنه كان مترسخا بعمق في قلب المسيح. كما وأراد الأب فارس في الأشهر الأخيرة أن يكتب نصا حول قلب المسيح، وأضاف الأب سبادارو أنه قد حمل هذا النص الجميل إلى قداسة البابا فرنسيس والذي كان على علم بعمل الأب فارس هذا. وقد أراد الأب الأقدس تثمين هذا العمل لأنه، وحسبما ذكر وكيل الدائرة الفاتيكانية، قد لمس في كلمات الأب دييغو فارس صدى ما كان يشعر هو به. وذكَّر الأـب سبادارو هنا بانضمام الأب فارس إلى الرهبنة اليسوعية في الفترة التي كان فيها خورخي برغوليو المسؤول الإقليمي لليسوعيين في الارجنتين، أي أن العلاقة بينهما كانت عميقة وقد استمرت لعقود من الزمن.

وفي إجابته على سؤال حول اختيار البابا فرنسيس هذه الفترة لإصدار رسالة عامة تتمحور حول قلب يسوع المسيح قال الأب سبادارو إنه يرى ان أحد الأسباب هو الشعور بأن المجتمع يفقد القلب. وأضاف أن هذا ما يوضحه الأب الأقدس في الوثيقة الجديدة مشيرا إلى أمور كثيرة ومتوقفا عند كون العالم المعاصر المفكك يعيش جرحا مفتوحا كبيرا، وذلك بسبب غياب الرغبة في البحث عن حلول للمشاكل. والمجتمع الذي يفقد القلب هو في حاجة إلى إعادته إلى القيم الأساسية. قال الأب سبادارو. وواصل مشيرا إلى سبب آخر وهو أننا قد أصبحنا عبيدا لآليات السوق والخوارزميات من جهة ولبعد غرائزي بدون رادع من جهة أخرى.

وفي ختام المقابلة سُئل الأب أنطونيو سبادارو حول دعوة البابا فرنسيس في الوثيقة الجديدة إلى عدم السخرية من التقوى الشعبية، وتحدث الأب اليسوعي عن روحانية شعبية يتم التعبير عنها بكلمات وصور ترتبط بالمشاعر الإنسانية. وحذر الأب سبادارو من أن حساسية فكرية بشكل مبالغ فيه يمكنها أن تنتزع الإنسان من واقعه، كما وهناك خطر أن يصبح الإيمان حكرا على نخبة بينما في الشعب يوجد قلب الإيمان الدافئ.