السابعة مساء أمس الاثنين، حركة غير عادية بطريق الفيوم الصحراوي، سيارات شرطة وضباط مباحث وفريق أدلة جنائية ، أمين شرطة يصطحب شخصًا مقيدًا بالكلبشات وصولا إلى منطقة صحراوية أمام معسكر دهشور، الكل توقف أمام حقيبة سفر حولها مجموعة كلاب لتقع أنظار الجميع على جثة سيدة مفصولة الراس بدون معالم.
قضية معقدة شهادة طفلة عمرها 15 عامًا فضت الاشتباك وأزاحت الستار عن كواليس جريمة دارت أحداثها داخل عش زوجية بمنطقة الهرم غرب الجيزة وانتهت بصحراء 6 أكتوبر، ماذا حدث؟.
"فاطمة" مُعلمة عاشقة لمهنتها، علاقة حب من طرف واحد تربطها بالتدريس، لا تكترث بمتاعبها ومشاقها، فجُل همها تنشئة سليمة للأجيال القادمة على أمل قدوم يوم تحمل جنينًا داخل رحمها فتتولى مسؤولية تربيته لاحقًا.
الصدفة وضعت في طريقها فني تركيب أسنان، أعجب بها من النظرة الأولى، اختارها لتكون شريكة حياته ، سرعان ما تقدم لخطبتها، ورغم فارق التعليم بينه وبينها -باعتباره حاصل على دبلوم- حظي بموافقة أسرتها لتنتقل بعدها "فاطمة" إلى عش الزوجية.
أكتر من 16 سنة، عاش الزوجان حياة سعيد، رُزقا بثلاثة أطفال - ولدان وبنت- لكن تأتي الرياح لما لا تشتهِ السفن. الفترة الأخيرة، توترت علاقة الاثنين، اتهامات مستمرة للزوجة بالتقصير في الواجبات المنزلية حتى أنه طالبها بترك عملها والتفرغ لرعاية أطفالهما لكن طلبه دائما ما قوبل بالرفض القاطع دون أن تتوقع للحظة ما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
قبل أسبوعين، توجه شقيق "فاطمة" إلى قسم شرطة الهرم، طلب مقابلة رئيس المباحث لأمر مهم، فإذا به يبلغ عن اختفاء أخته في ظروف غامضة وشكه في تورط زوجها بسبب تصرفاته الغريبة تزامنًا مع اختفائها عن الأنظار.
مع مغادرة الأخ ديوان القسم، عقد العميد عمرو حجازي رئيس المباحث الجنائية لقطاع الغرب اجتماعا مع ضباط فرقة ووحدة مباحث الهرم لمناقشة عانصر خطة البحث لحل لغز القضية.
منذ الوهلة الأولى وثمة شكوك تراود الرائد مصطفى الدكر رئيس مباحث الهرم بأن حل القضية يكمن في الزوج، المفاجأة الأولى اكتشافه ترك المشتبه به الأول للمنزل لتزيد الشكوك حول إيذائه للضحية.
مصادر الشرطة السرية بدأت في جمع المعلومات عن علاقته بزوجته، وسؤال الجيران حال سماعهم صوت شجار بين الزوجين خلال الفترة الأخيرة لكن كلمة الحسم جاءت بمناقشة أبناء السيدة الأربعينية، ثمة رواية قلبت موازين القضية 180 درجة.
رئيس المباحث جلس مع ابنة "فاطمة" الكبرى، بنت الـ 15 سنة انهمرت في البكاء، فظن رئيس المباحث أنها خائفة فحاول طمأنتها، لكن ما خفي كان أعظم. بكاء القاصر من هول ما رأت وسجلته ذاكرتها في اليوم المشؤوم.
بصوت مبحوح بالكاد يُسمع، حكت الابنة أنها خرجت من غرفتها على صوت استغاثة والدتها "إلحقيني يا بنتي"، استغاثة تكررت مرتين في الثاثة قررت الابنة استبيان حقيقة ما يدور بالخارج.
هنا أبصرت والدها ممسكًا بسكين، يجر والدتها من شعرها حتى دورة المياه، ولدى اقترابها للتحقق، نهرها أبوها وأجبرها على العودة لغرفتها محذرًا إياها بحدة "ماتطلعيش من اوضتك لحد ما أقولك".
14 يومًا اختفت فيها "فاطمة" عن الأنظار، محاولات أهلها للعثور عليها باءت بالفشل، وفي النهاية جاء الحل على لسان ابنتها.
بعد شهادة الابنة، اكتملت الصورة، مربية الأجيال لم تختفٍ بل قُتلت ذبحًا على يد زوجها. انطلقت مأموريات تطارده في الأماكن التي يرتدد عليها حتى أمكن الإيقاع به في أحد الأكمنة المعدة له.
بدون عنف أو إهانة، اعترف الجاني بجريمته، بهدوء وثقة وقف يدلي باعترافات تفصيلية لفعلته النكراء. مشاجرة نشبت بين فني تركيب الأسنان وزوجته بسبب رغبته في تركها لعملها إلا أنها رفضت.
في المرات السابقة، ينتهي الأمر بصمت الطرفين لكن هذه المرة النهاية تلونت بلون الدم. الزوج أسرع إلى المطبخ واستل سكينًا لينهي حياة "أم العيال" فصل رأسها عن جسدها ووضع جثتها داخل حقيبة سفر كبيرة وضعها في سيارته وتخلص منها بالصحراء المتاخمة لطريق الفيوم تاركًا إياها وجبة للكلاب الضالة.
المتهم ظن أنه ارتكب جريمة كاملة، لكن القاعدة الأبدية أنه ما من جريمة كاملة، شهادة ابنته القاصر أفسدت خطته وزجت به خلف القضبان في انتظار تحديد مصيره أمام القضاء.