دكتور مهندس/ ماهر عزيز
استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ

يقصد بجيوسياسيات التحول الطاقى المرحلة التحولية من الجيوسياسيات التقليدية إلى الجيوسياسيات الجديدة للطاقة الخضراء. حيث توجد عوامل كابحة، تثبط الإسراع بعملية التحول الطاقي، تكمن أساسا في تصاعد المخاوف الجيوسياسيات لدى القوى الرئيسية، خصوصاً واشنطن وبروكسل وموسكو وبكين ونيودلهي، من استخدام الطاقة كسلاح. واحترازا من التداعيات ذات الصلة على مصالحهم الوطنية، يُرجح أن تنزع هذه القوى أكثر نحو عسكرة أمن الطاقة.

وبالمقابل، على الرغم من ثقل تأثير جيوسياسيات الطاقة التقليدية على عملية التحول، هناك منحى، في طور التشكل، للتحول نحو جيوسياسيات الطاقة الجديدة، يُعزي في الأساس، إلى تسارع إيقاع إحلال أنواع الطاقة منخفضة الكربون (الطاقات الخضراء) محل الوقود الأحفوري. بَيْدَ أن العديد من القضايا العالقة، تظل تطفو على السطح خلال المرحلة المزدوجة للتحول في جيوسياسيات الطاقة، ا لتى يترافق فيها كل من الطاقات التقليدية والطاقات الخضراء خصوصاً مأزق المفاضلة بين أمن الطاقة وأمن المناخ، وتداعيات ثورة الغاز الصخري. أما بالنسبة لانعدام أمن الطاقة، فإن الحروب الهجينة (التقليدية وغير التقليدية) للطاقة، سوف تطغى على مشهد الصراع.

وفي ظل تجدد النزعة نحو التنافس الاستراتيجي بين القوى الرئيسية والصاعدة في العالم، تشكل محاولات تجديد أو مقاومة أي تغيير في نظام الطاقة العالمي، إحدى القضايا الاستراتيجية المهمة التي تذكي التوترات بشكل خاص، في مثلث التنافس الاستراتيجي الأمريكي - الروسي - الصيني، لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تبدي صلابة أمام أي محاولات لتحدي هيمنتها على نظام الطاقة العالمي، الذي ساهمت بشكل رئيسي في تشكيل معالمه. ويحمل تاريخ الصراع على النفط مؤشرات عن مستقبل الصراع على الطاقة خصوصا وأن قضايا أمن الطاقة، تظل تطفوا مثل قمة جبل الجليد العائم، يؤدي انكشافها في ظل صعود منافسين جدد متعطشين للطاقة، إلى عسكرة واسعة لأمن الطاقة.

وتحت ظلال جيوسياسيات النفط التقليدية، يقف العالم أيضا على أعتاب تحول طاقى جذري، لا تنحصر تداعياته من منظور طويل الأجل، في إعادة توجيه نظام الطاقة العالمي إلى مصادر الطاقة المستدامة فحسب، ولكنها تمتد أيضا إلى إعادة توزيع القوة داخل النظام الدولي الراهن الذي ساهم الصراع على النفط خلال العقود الماضية في هندسته.

والحق إن التحول القادم من جيوسياسيات الطاقة التقليدية إلى جيوسياسيات الطاقة المتجددة أو الخضراء عموماً، وإن بدا أن مرحلته الانتقالية ستكون حرجة وذات تكلفة جيواستراتيجية، فإنه يجلب معه بلا شك تحولات عميقة في أنماط استهلاك الطاقة، ومخاطر جيوسياسية وأمنية جديدة على النظام الدولي، خصوصا وأن التشابك بين قضايا انعدام أمن الطاقة وانعدام الأمن العام تظل وثيقة على نحو لا يمكن فكاكه.

جيوسياسيات الطاقة التقليدية
إذا كانت الجغرافيا السياسية تمثل السياق والخلفية والساحة" التي تدور فيها الصراعات بين القوى العظمى، خصوصا عندما تتحد المحددات الجغرافية بالمتغيرات السياسية، فإن الجغرافيا السياسية للطاقة، تعرف على أنها تأثير موقع واحتياطيات موارد الطاقة على سياسات الدول، حيث يكون محفزها الرئيسي هو التبعية الطاقية، حيث تهتم جيوسياسيات الطاقة بمدى تأثير العوامل الجغرافية على صناعة السياسات واتخاذ القرارات بشأن أمن الطاقة. أما في السياق الدولي الراهن، فتضفي عسكرة موارد الطاقة Militarization of Energy Resource التي تعني "الميل المتزايد لدى كبار الفاعلين الأمنيين في نظام الطاقة العالمي لبناء قراراتهم الاستراتيجية بشأن أمن الطاقة على أساس محددات الواقعية الهجومية، بعيدا عن الاعتبارات الاقتصادية المحض"، تضفى حيوية وزخما كبيرين على جيوسياسيات الطاقة.

جيوسياسيات الطاقة الخضراء
تلقى عسكرة أمن الطاقة بثقلها على جيوسياسيات الطاقة خلال العقود القادمة، ولذا فإن محاولات فهم التحولات المصاحبة للتحول الطاقى خلال هذه المرحلة الانتقالية تتطلب فهم العلاقة الجدلية بين أمن الطاقة وأمن المناخ. ونظراً لأن تغير المناخ هو في جوهره قضية طاقة، فإن مأزق المفاضلة بين أمن الطاقة وأمن المناخ يظل طافيا على السطح؛ أما أمن الطاقة فسيحتل مكاناً مهماً في أجندة التهديدات الأمنية الجديدة للدول، كما سيؤدى العامل التكنولوجي الذي يتحكم في التحول الطاقى إلى إذكاء الأشكال الجديدة من حروب الطاقة الهجينة من جهة، ومن جهة أخرى سيعجل بوتيرة التحول الطاقى.
والحق أنه توجد صعوبة في معالجة قضايا انعدام أمن الطاقة والمناخ دفعة واحدة بنفس السياسيات، فكلما تم التركيز على معالجة قضية أمن الطاقة، كلما تفاقمت المخاطر الناجمة عن إهمال قضية أمن المناخ. ولذلك فإن معالجة قضيتي أمن الطاقة وأمن المناخ يجب أن تتم على نحو متزامن دون المفاضلة بينهما لاعتبارات جيوسياسية.

ولقد أنتجت الاستثمارات في موارد الطاقة غير التقليدية كالزيت الصخري - بالاستخدام الموسع لتكنولوجيا التكسير الهيدروليكي- المزيد من مصادر الوقود الأحفوري غير التقليدي، ولم تعد الدوائر السياسية الأمريكية تتقبل تدمير إمداداتها من موارد الزيت الصخري، من قبل المنتجين الرئيسيين للنفط التقليدي كالمملكة العربية السعودية وروسيا. على أن زيادة إمدادات النفط الصخري الأمريكي، وإن كانت تؤدى دور امتصاص الصدمات النفطية من حيث الإمدادات والأسعار، فإنها تسلك اتجاهاً معاكساً للطاقات المستدامة .

وعلى ذلك تحول المصالح الاستراتيجية ذات المنافسة المحتدمة على الموارد الشحيحة للطاقة دون تهدئة المخاوف الأمنية ذات الصلة بالطاقة على المدى الطويل، التي تحاول الطاقات الخضراء المستدامة امتصاصها، مما يبقى الممارسات المتعلقة بأمن الطاقة في المرحلة المزدوجة قضية أمن وطني، تتطلب العمل في وقت واحد على ضمان إمدادات الوقود الأحفوري، وتحديث مزيج الطاقة، مع جعل الانتقال الطاقى لأجل الاستدامة عنصراً جوهرياً في تعريف أمن الطاقة.

وتعنى الطفرة التكنولوجية في استخراج الوقود الأحفوري أن جيوسياسيات الطاقة التقليدية ستظل تهيمن على مشهد الطاقة لسنوات، بالرغم من أن التحولات القادمة في نظام الطاقة العالمي نحو الطاقات الأكثر استدامة، توشك أيضا أن تترك بصماتها على جيو - سياسية الطاقة.

ويؤدى العامل التكنولوجي دور المحرك بامتياز للطاقة بكل أشكالها، بينما تنصب جهود الدول الرائدة في الطاقات الخضراء على توجيه الابتكارات التكنولوجية نحو مسارات مستدامة لا تؤدي إلى انتشار السياسات المناهضة للمناخ. على أن الدول المشبعة باحتياطيات الطاقة الأحفورية ستحاول مقاومة أي تحول طاقى متسارع. وإذا كان صحيحاً أن تكنولوجيات الطاقات المتجددة تقود إلى الحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، فإنها ستنتج في المقابل اعتماداً من نوع آخر، يرتبط بالمواد الأرضية النادرة التي تشكل قاعدة الصناعات الخضراء.

ويسود جدل بأن عملية التحول الطاقى القادم سيرافقها سحب لاستثمارات الطاقة الأحفورية التقليدية لحساب استثمارات الطاقة الخضراء، مما يجرد النفط من قيمته الاستراتيجية، ويعيد تشكيل ديناميات جيوسياسيات الطاقة على النحو الذي يحرم النظم الربحية من عائدات الطاقة على النحو الذي قد يغرق المناطق النفطية التقليدية في الفوضى.

وقد يحد انكماش عائدات البترودولارأمام نمو عائدات الطاقة الخضراء من مناعة النظم النفطية ضد التحولات السياسية المفاجئة، خصوصا وأن أغلب الصراعات التي تدور حول الأرباح النفطية تحمل سمات متشابهة، فهي إما صراعات بين أقليات إثنية على توزيع الربح، أو صراعات بين مجموعات سياسية حول الحكم، أو مطالب من حركات انفصالية بالتمتع بالسيادة على إقليم جغرافي غني بالموارد، وهاجس الجميع هو الحصول على نصيب من كعكة الربح. وتغذى لعنة الموارد التي تقود إلى إذكاء الصراعات الداخلية وحروب النفط الجديدة في المناطق الهشة، إرهاب الطاقة الذي ينخرط فيه أطراف غير تقليدية بأساليب هجينة داخل الدولة الفاشلة.

ولكن على الرغم من أن العديد من الدول والمناطق الجغرافية تتجه إلى تبني استراتيجيات الانتقال الطاقى بالتوسع في إحلال مصادر الطاقة الأكثر استدامة (منخفضة الكربون) محل مصادر الطاقة الأحفورية (مرتفعة الكربون)، فإن محددات أمن الطاقة لكل دولة خصوصاً الجيوسياسية منها، ستملي عليها وتيرة وإيقاع انتقالها الطاقى.

ويبدو أن نظام الطاقة الحالي عالق في المرحلة الجنينية للتحول الطاقى. فمحاولات تحييد القيمة الاستراتيجية للوقود الأحفوري بالتوسع في الطاقات الخضراء، لا يُفْضِى بالضرورة إلى تقليل مخاطر الصراعات على النفط بسبب منطق العسكرة المتنامي، ولا إلى تحييد مخاطر إرهاب الطاقة، ولا إلى تغيير سلوك الدول المسماة بالمارقة (في الأدبيات الغربية) من خلال حرمانها من الأرباح النفطية، ولا بتسريع كبح النفوذ الجيو سياسي للقوى الهيدروكربونية مثل روسيا.

ويبدو أن الصراع والجغرافيا السياسية التقليدية للطاقة هما حلقة متشابكة يصعب كسرها فقط من خلال التوسع في تبني سياسات الطاقات منخفضة الكربون. كما أن فتح الصندوق الأسود لأمن الطاقة لا يعني فقط المزيد من العسكرة لأمن الطاقة العالمي، بل أيضا استخدام المواد الخام للطاقة كرافعة للعملات المحلية في مقابل الدولار.

وتُعَدُّ الطاقة محركًا مهمًّا للشئون الخارجية، ولقد صار لمصادر الطاقة الخضراء تأثير مهم على التقاطع بين الطاقة والجغرافيا السياسية. وتشير الترجيحات إلى أن نظام الطاقة العالمي الذي تهيمن عليه الطاقة الخضراء سيكون على المدى الطويل أكثر استقرارًا وسلاماً وعدلًا مقارنة بالنظام الذي يهيمن عليه الوقود الأحفوري. ومع ذلك، فإن المسار الجيوسياسي نحو هذا التطور يتسم بعدم اليقين؛ إذ إن اعتماد الدول على مصادر الطاقة الخضراء قد يسمح لبعضها بدرجة عالية من الاكتفاء الذاتي من الطاقة؛ مما يؤدي إلى تحول تركيزها من جهود تأمين الإمدادات الخارجية للوقود الأحفوري إلى إدارة الإنتاج الداخلي للطاقة المتجددة. كذلك سيكون من الصعب على الدول منفردة التحكم في إمدادات الطاقة المتجددة أو الحد منها، أو التلاعب بسعر السوق؛ نظرًا لتوافر هذه المصادر في العديد من الدول على نحو أكثر عدلاً.

وقد يتسبب التحول إلى مصادر الطاقة الخضراء، وانخفاض الطلب العالمي على الوقود الأحفوري إلى تغيير خريطة التفاعلات السياسية الدولية؛ فقد يتعرض نفوذ بعض التحالفات والمنظمات للتراجع، مثل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) OPEC التي تختص بتبادل المعلومات وتنسيق التفاعلات بين الدول وشركات النفط العالمية في مواجهة الصدمات، سواء أزمات الأسعار أو الصراعات بين الدول الأعضاء. ففي عالم به مجموعة متزايدة من بدائل الطاقة، من المرجَّح أن تتراجع أهمية تلك المنظمات، كما ستخضع العلاقات الثنائية بين الدول أيضًا للتغيير. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مفهوم دبلوماسية الطاقة؛ فمن المرجَّح أن تعمل مصادر الطاقة الخضراء على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية من خلال ظهور سياق جديد من العلاقات والتحالفات، ينطوي على تحوُّل مركز ثقل الاعتماد على الطاقة من الأسواق العالمية إلى الشبكات الإقليمية، من خلال سعْي الدول المستوردة للنفط إلى تطوير مصادر الطاقة الخضراء لديها، ودمْج شبكاتها الكهربية مع شبكات الدول المجاورة.

ومع إعادة رسم طرق تجارة الطاقة، تتخذ الخريطة الجيوسياسية أشكالًا جديدة؛ ففي عالم تُنْتَج فيه الطاقة النظيفة في كثير من الدول، من المقرر أن تصبح القوى المهيمنة أقل قدرة على ممارسة نفوذها التقليدي من خال التحكم في أعالي البحار والممرات البحرية الاستراتيجية؛ مما يجعل بعض طرق التجارة البحرية أقل أهمية نسبيًّا.

ومن ناحية أخرى تزداد الأهمية الاستراتيجية للمناطق ذات الاحتياطيات الكبرى من الثروات المعدنية، كالقطب الشمالي وبحر الصين الجنوبي، وينشط التحول نحو الدول التي تتحكم في التقنيات المرتبطة بمجال استخراج المعادن والطاقة المتجددة، خاصة الدول ذات الإنفاق المرتفع على البحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة، كاليابان والصين وألمانيا، التي تكتسب قوة جيوسياسية إضافية.

وعلى ذلك يمكن أن يؤدى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة إلى أنماط جديدة من العلاقات، سواء التعاونية أو التنافسية، في النظام الدولي، وهو ما يؤثر بدوره على السياسات الخارجية للدول.

الهيمنة فى عالم الطاقة الخضراء
لأجل التعرف على الجغرافيا السياسية لعالم ما بعد الوقود الأحفوري، يتعين تحديد أي عناصر في الطاقة المتجددة سوف تُسفر عن تغيير جيوسياسي. وهنا أيضاً يختلف الواقع عن الحكمة التقليدية "من يربح ومن يخسر"، حيث تبدو عملية الانتقال مختلفة تماماً عن الحالة النهائية. على المدى الطويل، يحدد الابتكار ورأس المال الرخيص من سيفوز بثورة الطاقة المتجددة. وتهيمن الدول التي تتمتع بهاتين الصفتين بأربع طرق على الأقل.

من لديه القدرة على وضع معايير للطاقة الخضراء ستكون لديه القدرة على الهيمنة، وميزة تنافسية على الآخرين. على سبيل المثال، برزت استراليا وتشيلي واليابان والسعودية كأول من تبنى تجارة الهيدروجين والأمونيا منخفضة الكربون عبر الحدود، وبالتالي قد تكون هذه الدول قادرة على وضع قواعد هياكل البنية الأساسية، ومعايير إصدار الشهادات لمصادر الوقود النظيف. ويعني ذلك أن الأفضلية ستكون للتقنيات التكنولوجية والمعدات التي تستخدمها هذه الدول، التي تكون قادرة أيضاً على استخراج البيانات.

المصدر الثاني للهيمنة في عالم الطاقة الخضراء هو التحكم بسلسلة توريد بعض المعادن النادرة، مثل الكوبالت والنُحاس والليثيوم والنيكل والأتربة النادرة، التي تُعد ضرورية لمختلف تقنيات الطاقة المتجددة، بما في ذلك توربينات الرياح والمركبات الكهربائية. وهنا يظل التشبيه بقوة النفط صحيح إلى حد ما. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة: إذا بدأ العالم في التحرك بسرعة نحو مزيج من طاقة أكثر استدامة، فإن الطلب على مثل هذه المواد سيتجاوز بكثير ما هو متوافر بسهولة اليوم؛ والدول التي تسير نحو “صفر إنبعاثات” عام 2050 تحتاج بحلول عام 2040 إلى ستة أضعاف ما تحتاجه اليوم.

في الوقت نفسه ستزدهر تجارة "المعادن الحرجة" عالمياً- من حوالي 10% إلى 50% بحلول عام 2050، لذلك فإن العدد القليل من الدول التي تزود الغالبية العظمى من دول العالم بهذه المعادن ستكتسب خلال فترة التحول نفوذاً جديداً.

العنصر الثالث فى الهيمنة بالطاقة الخضراء هو القدرة على تصنيع مكونات التكنولوجيات الجديدة بتكلفة زهيدة، ومع ذلك فإن تلك القدرة لن تمنح المزايا نفسها التي يتمتع بها مُلاَّك موارد النفط أو الغاز. الصين -على سبيل المثال- مسئولة عن تصنيع ثلثي “البولي سيليكون” في العالم، و90% من “رقائق” أشباه الموصلات المستخدمة في صناعة الخلايا الشمسية الفوتوفلطية. ومن خلال إزالة هذه العناصر فجأة من سلاسل التوريد العالمية، يمكن للصين أن تخلق اختناقات كبيرة.

ومع ذلك، حتى لو تبنت دولة الصين هذا التكتيك، فإن الأسواق تستجيب مع مرور الوقت، وتقوم دول وشركات أخرى بإنتاج منتجات أو إمدادات بديلة خاصة بها، وبطريقة يصعب القيام بها مع مَورِد طبيعي مُتاح فقط في مواقع معينة مثل النفط.

الطريقة الأخيرة التي يمكن أن يصبح بها بلد ما قوة عُظمى مهيمنة في مجال الطاقة البديلة هي من خلال إنتاج وتصدير أنواع وقود منخفض الكربون، وسيكون هذا الوقود - خاصة الهيدروجين والأمونيا - عنصراً حاسماً في الانتقال إلى عالم خالٍ من الانبعاثات، نظراً لدوره في إزالة الكربون من القطاعات التي يصعب كهربتها (مثل إنتاج الصلب، وتزويد الشاحنات والسفن وغيرها من المركبات الثقيلة بالوقود)، وموازنة الشبكات التي يتم تشييدها في المقام الأول من مصادر الطاقة المتجددة التي يمكن أن تعاني من اضطرابات متقطعة فى الإمدادات.

على أن الدول ستتمكن من ممارسة نفوذها، في ظل التحول نحو الطاقة الخضراء، من خلال ثلاث طرق؛ أولًا: تصدير الكهرباء أو الوقود الأخضر؛ حيث يمكن للدول التي لديها وفرة في مصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكاليف أن تصبح منتجة للهيدروجين الأخضر؛ وثانيًا: من خلال التحكم في المواد الخام المستخدمة في تقنيات الطاقة النظيفة، مثل: الليثيوم والكوبالت؛ وثالثًا: من خلال اكتساب ميزة في تقنيات تكنولوجية متقدمة، مثل بطاريات السيارات الكهربائية. من هنا تضفى الطاقة المتجددة طابعًا ديمقراطيًّا على خريطة إمدادات الطاقة العالمية، وبدلًا من التعايش في ظل نظام عالمي أحادي القطبية أو ثنائي القطبية (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والصين)، يتسبب التحول الطاقى إلى مصادر الطاقة المتجددة في ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب؛ يؤدي إلى ظهور محاور جديدة للقوة الجيوسياسية حول العالم؛ مما يجعل عملية إدارة الطاقة المتجددة تعتمد على العديد من الأطراف، وتتسم باللامركزية مقارنة بعدد محدود من الأطراف في النظام الدولي التقليدي الذي يعتمد على الوقود الأحفوري.

وبالإجمال تُسهِم الطاقة المتجددة في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، والدول الفائزة -في هذا التغيير- هي الدول التي تتمكن من إنتاج كميات كبيرة من الطاقة الخضراء منخفضة التكاليف، ويقود المشهد الجديد إلى ظهور كوكبة جديدة من الأسواق والعلاقات التجارية الثنائية، حيث يشهد العالم ظهور فئة جديدة من مصدري الطاقة، بما لذلك من تأثير على تشكيل النظام الدولي مستقبلًا.
نقلا عن مجلة توربين