د. أشرف ناجح إبراهيم
إنّ المحبّة المسيحيّة بجميع أبعادها لهي "تَحَدِّي" حقيقيّ وكبير، وهي تَتَطَلَّب جَهْدًا وجِهَادًا واجتهادًا على المستوى الشّخصيّ والجماعيّ والكنسيّ. ويمكن القول –باتّضاع وواقعيّة شديدة– بأنّنا لا نزال في بداية "تَحَدِّي المحبّة" هذا، ولاسيّما ونحن في زمن يمكن أن نطلق عليه "عصر الكراهيّة"، والذي يحتاج منّا كمسيحيّين أن نكون شهود وشهداء المحبّة في عصر غاب عن أبنائه وبناته أنّنا أخوة أمام الله أبينا. لقد صدق البابا تواضروس الثّاني في كلماته العميقة هذه: «لقد اخترنا المحبّة حتّى لو كنا نسير عكس تيّار العالم الطّامع والذّاتيّ، لقد قبلنا تحدّى المحبّة التي يطلبها منّا المسيح، وسنكون مسيحيّين حقيقيّين وسيصبح العالم أكثر إنسانيّة، ليعرف العالم كلّه أنّ الله محبّة وهذه هي أسمى صفاته».
لذا، فإنّنا نرحّب أشدّ ترحيب ببداية "تَحَدِّي المحبّة"، ونجازف بإيمان ورجاء وَاطيدين للتدرُّب على أسلوب المحبّة ولغتها ومُبَادَرَاتها؛ فالمحبّة الأصيلة والعميقة تجد أساسها ونموذجها في صليب سيّدنا يسوع المسيح (يو 3/ 16؛ 13/ 1؛ 1 كو 1/ 18).
مُستشهِدًا ببعض عبارات خطابه أمام الكرادلة الجُدد (13 يونيو/حزيران للعام 1994)، كتب المتنيّح البابا يُوحنَّا بولس الثّاني، في رسالته الرّسوليّة "نور الشّرق" (1995)، هذه الكلمات الصّادقة والمعبّرة: «"لا يسعنا أن نمثل أمام المسيح، سيّد التاريخ، منقسمين كما كنّا، مع الأسف، على مدى الألف الثاني من المسيحيّة.
هذه الانقسامات يجب أن تضمحلَّ أمام التقارب والوفاق؛ على الجراح أن تلتئم في سعينا إلى وحدة المسيحيّين".
علينا، بعد تخطّي أوهاننا، أن نتوجّه إليه، هو المعلّم الأوحد، فنشترك في موته بحيث نتطهّر من تمسّكنا الغيور بعواطف وذكريات –ليس لما صنع الله إلينا من عظائم– بل لأحداث بشريّة حصلت في ماضٍ لا تزال تنوء قلوبنا بثقله.
إن الروح يجعل نظرنا صافيًا كي نستطيع معًا أن نسعى إلى الإنسان المعاصر المنتظر البُشرى الحسنة. إزاء انتظار العالم وآلامه، إذا ما حملنا الجواب المتناسق والمنير والمحيي، فإنّا نُسهم كلَّ الإسهام في إعلان الإنجيل بأنجع الطرق لأناس عصرنا».