لواء د. سمير فرج
عرضت فى مقالى فى العدد السابق، كيف وصلت إلى مبنى الـBBC فى لندن لكى أبدأ مناظرتى مع الجنرال شارون الإسرائيلى حول حرب أكتوبر ٧٣، والذى سيقوم بالتحكيم عليها مجموعة من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن IISS.

وتوقفت فى مقالى السابق عندما تسلمت أسئلة من مقدم البرنامج أدجر الان حول حرب ٧٣، وكانت أوامر المشير الجمسى، وزير الدفاع آنذاك، أن أحضر إلى القاهرة لكى أناقش نقاط الرد المصرى على هذه الأسئلة.

وفى هذه المقالة اليوم، نعرض بداية المناظرة عندما بدأت بشرح خطة العبور المصرية واقتحام خط بارليف.. حيث ركزت تماما على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة.. كان تخطيطا مصريا.. خالصا.. نابعا عن الفكر العسكرى المصرى.. تم بعد خبرات طويلة.. فى حرب الاستنزاف.. وتدريبات شاقة على عمليات العبور فى دلتا نهر النيل لمدة ٥ سنوات كاملة من عمر حرب الاستنزاف بعد أن استكمل الجيش المصرى معداته وأسلحته التى فقدها فى حرب ١٩٦٧.. ولقد جاء السؤال سريعا.. ومباغتا من أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية.

على الهواء مباشرة كيف كان التخطيط مصريا.. والذى رأيناه.. أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال فى العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية.. كالمهمة المباشرة.. والمهمة التالية..!! ولحسن الحظ عرضت محطة BBC صورة لميدان القتال اعتبرته انفرادا فى هذا الوقت.. حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.. لذلك أشرت إلى الخط الذى وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة فى رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وأوضحت لهم أن هذه الخطوط التى وصلت إليها قوات رأس الكوبرى.. لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما فى العقيدة السوفيتية.

وإنما تم التخطيط لها على أساس مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوى غرب القناة.. فهناك بطاريات للصواريخ فى الأمام وأخرى فى الخلف.. اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض فى البر الغربى.. الأمر الذى أدى إلى ألا تتعدى القوات المصرية فى رأس الكوبرى.. خط حماية حائط الصواريخ.. مما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائيًا... بأى أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبرى المصرية.. شرق قناة السويس.. وكان خير دليل على ذلك.. الأوامر الصريحة الواضحة التى صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم ٦ أكتوبر.

فور عبور قواتنا قناة السويس.. بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة ١٥ كيلومترًا.. التى كانت بالطبع مسافة عمل وتغطية حائط الصواريخ المصرى.. ومن هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلى (قواته الجوية) من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رؤوس الكبارى، وهو ما أطلق عليه الخبراء العسكريون فى العالم، آنذاك، أن المصريين طبقوا مبدأ جديدا فى أشكال عمليات القوات الجوية.. وهو تحييد القوات الجوية المعادية (Neutralizing Enemy Air Forces) وهو أسلوب لم يكن مطبقا من قبل.

والجدير بالذكر أن هذا الأسلوب أصبح يطبق فى جميع المراجع العسكرية فى العالم الآن، ومعه شرح أن ذلك هو ما نفذته القوات المصرية فى حرب ٧٣.

ولقد عرضت خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل، وكيف أن القوات المسلحة المصرية اقتحمت قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة، وأن ذلك القرار أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية، حيث وقفت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكبارى المصرية فى انتظار تحديد المجهود الرئيسى لهذه القوات.. وذلك طبقا لخطة الدفاع المتحرك التى كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء.. وأشرت إلى أن خطة الدفاع الإسرائيلية التى اعتمدت على نقاط خط بارليف القوية. ومعها احتياطيات على أعماق متعددة فقدت الاتزان الدفاعى.. ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الخمس فرق على مواجهة واسعة وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أى معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.

وعندما قامت الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة كانت ضعيفة ومبعثرة وتحطمت أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التى نفذتها لأول مرة فى التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التى لم تصل لرؤوس الكبارى إلا فى اليوم التالى بعد تشغيل الكبارى. وجاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية أن توقف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكبارى.. تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بأسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها فى العمق.. ولذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم ٩ أكتوبر ١٩٧٣ بهزيمة إسرائيل.. اعترافا كبيرا بتفوق التخطيط المصرى فى المرحلة الافتتاحية من الحرب.. علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط.

وفى عام ٧٤ عقدت مجموعة Pentagon Office of Net Assessment وقد أنشئ عام ١٩٧٣ فى البنتاجون لتطور مفاهيم القتال بخبرة حرب ٧٣ سواء من الجانب المصرى أو الإسرائيلى، وخرجت مجموعة Pentagon Office of Net Assessment بالخلاصة أن المصريين نجحوا فى إفشال خطة الدفاع المتحرك والتى يجب تطويرها لأنها أساس العقيدة الدفاعية فى حلف الناتو وبعد عام كامل لهذه المجموعة تم تطوير فكر الدفاع المتحرك فى العقيدة الغربية لتكون نظام Active Defense منذ عام ٧٥ لقد تغير هذا المفهوم بسبب ما حققه المصريون فى حرب أكتوبر ٧٣ لذلك اندفع شارون ليقول إنه لطالما عارض الجنرال بارليف.. وخطته للدفاع عن قناة السويس.. وبناء هذا الخط الذى وصفة شارون بأنه مثل الجبن السويسرى ذى الثقوب.. وأن إسرائيل دفعت الثمن باهظا.. عندما لم تستمع لرأيه حول تنظيم الدفاعات فى سيناء.

ونفذت خطة الجنرال بارليف.. رئيس الأركان الإسرائيلى آنذاك، وقبل أن أنطلق بالرد، تولى أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية التعليق قائلا: سيادة الجنرال... أشبعتمونا فكرا.. وآراء.. ونظريات.. بعد حرب ١٩٦٧.. نظرا إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التى حققت النصر عام ١٩٦٧.. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة.. أعتقد سيادة الجنرال شارون أن ما فعله المصريون كان ردا عمليا على أن هذه النظريات.. لم تكن دقيقة.. أو صحيحة. ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الاستراتيجية الذى يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة.. حيث قرر استغلال ذلك كله لصالحه الشخصى ليقول إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل جاء هو المنقذ لينفذ عملية (الغزالة) ويبدأ فى التفكير فى ثغرة الدفرسوار.

ولقد نال حائط الصواريخ المصرى استحسان لجنة معهد الدراسات الاستراتيجية، حيث أكدت اللجنة فى حوارها أنه لولا وجود حائط الصواريخ لما نجحت القوات المصرية فى بناء الكبارى وتحت سترها تم عبور المدرعات والمدفعية إلى شرق القناة.

فى العدد القادم نستكمل معا باقى قصة عبور القناة وتدمير خط بارليف ضمن مناظرتى مع أرئيل شارون على قناة الـBBC.
نقلا عن المصرى اليوم