الأقباط متحدون - قبلاتي لمصــر .. في وداع 2012
أخر تحديث ١١:١٧ | الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ | ١٦كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٨٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

قبلاتي لمصــر .. في وداع 2012

بقلم :  نبيل المقدس

مهما صار حالك يامصر .. مهما وصلتي إلي أدني مستوي العالم .. مهما فعلوا بكِ .. فلكِ من رصيد الشموخ والعلو الكثير والكثير يُكفي ستــر ما سوف تصلين إليه من خراب ودمار وجهل وقحط . فأنت صاحبة ورائدة تاريخ البشرية .. مهما فعلوا بكِ فأنتِ مصر الخمراوية  السمراء .. مهما حطّوا بكِ فأنتِ البلدة الوحيدة التي إرتضت علي نفسها , وفتحت ذراعيها مرحبة بالأغراب آملة الخير فيهم لكن كانت الحصيلة والنتيجة دائما الشر والنكبـة .. مهما طمسوا معالِمَكِ فأنتِ مازلتِ مصر الأهرامات  .. مهما جردوكِ من ثيابكِ الطاهرة فنحن كأبنائك الأصليين سوف نكون غطاء لكِ .
      أحببتك يامصـــــــــر .. سوف افتخر بكِ حتي لو أجبروكِ علي لبس وشاح الشؤم الأسود .. حتي ولو رفعوا شعــار شريعتهم علي ابنائكِ جميعا بجميع طوائفهم سوف نقبل حتي يأتي اليوم وترفعين رأسكِ مرة أخري ويعيش أبناء هذا الجيل وأحفادهم بين أحضان ضفتي نيلك مرفوعين الرأس , ويستكملون حفر تاريخ مصـــر وهم فخورين بما عانوه أجدادهم لكي تعيشي وتستعيدي كيانك بين الأمم .
      بعد هذا العمر الطويل لي وبعد إجبارنا بقبول دستور اعور معيب .. يأتي اليوم الذي كنتُ لا أتوقعهُ ابدا وأحتفل بعيد السنة الميلادية الجديدة 2013 , والدموع علي خدودي , بدلا من هتافات الفرح والإبتهاج .. تذكرت الماضي .. وكيف كنت أحتفل ببداية سنة ميلادية جديدة  .. تذكرت أيام صباي عندما كنت أخرج أنا وابناء الحارة .. بنات وأولاد .. مسيحيون ومسلمون .. شباب وشابات .. رجال ونساء ونطوف شوارع اسيوط  بترانيم الميلاد , رافعين علي أكتافنــــــــا شجـــرة الميــلاد العملاقة .. لم يكن علي أيامنا خفافيش ظــلام تتربص لنا ثم تخرج علينا فجأة لوقف هذا المهرجان .. كان اخونا المسلم هو اول المتقدمين في موكب الإحتفال بعيـــــــد ميلاد الرب يســــــوع .
      في وسط هذا الزخم من الذكريات .. تذكرت هذه العلبة التي كانت ملفوفـــــة في ورق سوليفـــــــان اهداها لي إحدي عمالي المسلمين عندما كنت اعمل في المصانع الحربية .. فبعد ما رجعت من أجازة عيد الميلاد المجيد إلي عملي أحاطتني مجموعة العمال الذين كانوا يعملون معي في الإدارة لكي يهنئونني بعيد رأس السنة الميلادية .. فوجئت بهم وبخفة دم المصريين قبل ما يتمزج البعض منه بدم خفافيش الظــلام رافعين فرع شجــــــرة علي إحدي الماكينات التي كنا نقوم بتركيبها ومحوطين الماكينة ببعض الكراسي والتي اغلبها مصنوعة من صناديق الخشب التي كانت تحوي الماكينة .. واخذوا ينشدون اغاني وطنية لأننا كنا في وقت حرب الإستنزاف مع اسرائيل .. ولمحت ونحن اثناء هذه الفرحـــة علبـة من الكرتون مُغلفـــة بورق من رقائق الألمونيوم والتى كان يغلف بها بعضا من أجزاء الماكينة الدقيقة والصغيرة . لم التفت إليها كثيرا لأنني لا أعرف سبب وجودها تحت فرع الشجرة .. أهي بالصدفــــــة أو لسبب آخر .
    بعد نصف ساعة وفي نهاية هذا الإحتفال الجميل إذ أري رئيسهم يتقدم إليّ حاملا بين يديه هذا العلبة قائلا : " دي هدية من عمالك البسطاء لكي  تتذكر الذين أحبوك طيلة السنوات السابقة وأنت في بلاد المهجر .. فعلا فقد جائتني موافقة للهجرة إلي كنـــدا في هذه السنة , وكنت استعد لها ...!
   كان يبدو علي العلبة انه ثقيل نوعا ما , أو ربنا يحوي علي شيء قابل للكسر .. فقد لمحت هذا من تعبيرات وجه حاملها ومن طريقة حرصه الشديد في حملها .. فأخذتها منه لكي اخفف عنه تعب ثقلها و مسئولية سقوطهــــــا وينكسر ما في داخلها ... فوجئت بأن الصندوق خفيف جدا ... وبين ضحكات اخوتي العمال صرخوا لي وضغطوا عليّ أن أفتح امامهم الصندوق .. ضحكت لهم وقلت لنفسى " واضح أنه مقلب او ألعوبة يمارسونها عليّ كنوع من تفاريح الإحتفال .. فأنا أعرف مدي إحتياجاتهم المادية .. وخصوصا كانت شكواهم من صعوبة الحياة يكشفونها لي .
    نزعت رقائق الألمونيوم من الصندوق .. وقبل ما أفتحهُ وجهتُ كلامي لهم قائلا " أكيد ياجماعة إللي في الصندوق سيجارة سوبر .. فقد كنت وقتها أشتهي كثيرا التدخين .. لكن المفاجأة كانت اكثر من ذلك بكثير .. فقد إكتشفت أن الصندوق فارغا تماما .. ولمحتهم ينظرون إليّ لكي يقرأوا تعبيرات وجهي من هذه المداعبـــة والمفاجأة ... طبعــــــا ولكوني إنسان ضعيف تصنعت الضحكـــــــة أمامهم , وإعتبرتها بيني وبين نفسي إهانــــــــة مقصودة أو غير مقصودة  نتيجة بساطتهم وطيبة قلوبهم . وقبل ما أضع الصندوق علي الكرسي لكي أهييء نفسي في التوجه إلي أماكن العمل .. تقدم لي أصغــــــر العمال سنا وأحدثهم تعينا لكي يقول لي :
    صحيح الصندوق فارغ .. لكن بالنسبة لنا مملوء ..  فقد وضع كل فرد فينا اطهر واعظم واكثر دليل لمحبتنا لك .. هذه العلبة الذي كنت ستتركها جانبا معتبرا انها خدعة أو العوبة شملها إحتفالنا بعيد ميلاد " عيسى " عليه السلام  هى مملوءة ومشحونة قبلات من كل العمال .. فعندما تتركنا وتتذكرنا , ما عليك إلا أن تفتح العلبة وتتناول قبلة من قبلات الحب . بمجرد أن انهي كلامه البسيط بلهجته الصعيدية أخذته في حضني .. واخذت جميع العمال في حضني .. وفعلا فقد تركتهم بعد حرب اكتوبر مباشرة لكي اعمل في القطاع الخاص ... وحتي وقت قريب كنت محتفظ بهذه العلبة علي مكتبي في المنزل , لكن من سوء حظي التعيس , كنت في زيارة عند إبنتي في الخارج .. وقبل مجيئي بيوم تولي ابني الإشراف علي تنظيف وترتيب المنزل , وكان مصير الصندوق المجهول ... !!
   هكـــــــــذا كانت مصـــــــــر .... مصـــــــــــر الوحدة ..... مصــــــــــر الحب .... مصـــــــــر الطهارة ..... مصــــــــر ذات الفكر والفن والثقافـــــــــة .... مصــــــــــر لكل المصريين .... !
  لكِ قبلاتي يا مصــــــــــر في ليلــــــــــة عيد ميـــــــــلاد الرب يســــــــوع .. وسوف تستمرين بالإحتفال به أنتِ وشعبك مسلمين قبل المسيحيين إلي ابـــد الآبـــدين , رغم انف الحاكميـــن …!!    
                                                                                                    
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter