هانى لبيب
قبل أيام قليلة، رحل الصديق مدحت بشاى بعد أقل من ٤٠ يومًا على رحيل أخيه السيناريست المتميز عاطف بشاى، فكتبت بوست على الفيسبوك: (وداعًا الصديق العزيز مدحت بشاى.. واحد من أهم مؤسسى التيار العلمانى المسيحى المصرى.. أفتقدك كثيرًا.. الأعزاء يرحلون فى صمت..).
وكتب العديد من الأصدقاء تعليقات الرثاء والرحمة والعزاء. ولكن أكثر ما لفت نظرى بشدة التعليق الذى كتبه صديقى الكاتب والمفكر كمال غبريال، وهما كلمتان اخترتهما ليكونا عنوان هذا المقال، حيث كتب: «الحزن يقتلنى».
لا أخفى صدمتى بنبأ رحيل مدحت بشاى.. ولا أخفى ما أثاره تعليق كمال غبريال من استدعاء ذكريات قديمة جميلة.. كدت أنساها بمرور السنوات. مجرد كلمتين.. كان لهما أثر كبير معتبر لمجموعة اجتمعت فى طريق الحديث عن إصلاح الكنيسة، وتأكيد فصل الدين عن الدولة، وترسيخ مفهوم الدولة المدنية المصرية. ضمت هذه المجموعة.. الكمالين.. كمال زاخر وكمال غبريال، ونبيل منير وأكرم حبيب وإسحاق حنا ود. جرجس كامل والراحل العزيز مدحت بشاى.
أذكر لمدحت بشاى.. حرصه الشديد على تماسك التيار العلمانى ووحدته، وحرصه على شرح أفكاره وتقديمها من خلال كتاباته وإسهاماته الفكرية. كما كان يحرص على تقريب وجهات النظر.. فى كافة القضايا الخلافية، التى كنا نعقد حولها عشرات من جلسات النقاش والعصف الذهنى من أجل تقديم أفكار حقيقية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
نتفق أو نختلف مع أفكار مدحت بشاى، ولكنه يظل من المثقفين الحقيقيين ممن لهم إسهامات فكرية حقيقية من خلال أسلوبه الفريد وطريقة معالجته للعديد من قضايا المجتمع وتحدياته ومشكلاته بنظرة مصرية أصيلة، كما أن الهدوء والاحترام.. كان إحدى مميزات شخصيته فى كل مَن يتعامل معه. ويُحسب له حرصه على انتمائه المصرى فى كل كتاباته ومواقفه. كان يقدم برنامج «استوديو التنوير»، الذى استضاف فيه العديد من المفكرين والمثقفين لمناقشة العديد من القضايا الفكرية والوطنية. كما كانت له أيضًا إسهامات فكرية من خلال مقالاته الأسبوعية فى المصرى اليوم والدستور والوفد وغيرها من المجلات والمواقع الإلكترونية. ولا أنسى أيضًا دوره الثقافى المهم أثناء توليه منصب مدير عام النشاط الفنى بجامعة القاهرة، وما قام به من فعاليات مهمة نظمها وأشرف عليها. وتبقى إسهاماته الفكرية من الكتب القيمة مثل: «أقباط علمانيون على أجنحة البوم» و«دليل الوفاق فى الزواج والطلاق» من أهم الكتب التى تناولت تحديات المؤسسة الدينية المسيحية المصرية.
رحل مدحت بشاى عن عمر يناهز ٧١ عامًا مساء السبت ٥ أكتوبر بعد أقل من ٤٠ يومًا على رحيل شقيقه السيناريست عاطف بشاى. والغريب أنهما قد دخلا العناية المركزة فى وقت متقارب، وخرجا منها بهدوء دون وداع.
نقطة ومن أول السطر..
أعترف أننى أصبحت أشد تأثرًا برحيل الأساتذة والأصدقاء، الذين كان لى حسن الحظ فى مقابلاتهم والحوار معهم واقتناء كتبهم.. كانوا حقًّا مفكرين ومثقفين من طراز خاص.
الحزن يقتلنى.. لافتقادهم، وافتقاد مستوى الحوار الإيجابى والنقاش الراقى الذى كان يتم معهم.. فى ظل تراجع حقيقى للمثقفين والمفكرين من أصحاب الإسهامات الفكرية، وليس العنعنات السفسطائية، التى لا قيمة لها أو تأثير سوى الصخب والجدل.
حقًّا، الحزن.. يقتلنى.
نقلا عن المصرى اليوم