الاب جون جبرائيل
حرِّر الشباب، قبل كل شيء، ولو تحريرًا موقوتًا من هذه القيود كلها أو بعضها. دعهم يفكرون كما يريدون، ودعهم يحيوا كما يريدون، وأرشدهم بالقدوة الصالحة، والأسوة الحسنة، والنصح الرفيق، وثق بأنك إن فعلت أعددت نفوسهم للذوق الفني الرفيع أحسن إعداد وأقومه.

إنك لتعلم أن الفن حرية قبل كل شيء؛ حرية واسعة إلى أبعد غايات السعة، حرية في نفس المنتج، وحرية في نفس المستهلك، كما يقول أصحاب الاقتصاد خذ من شئت من المبدعين في الفن، واستقص حياته فسترى أنه لم يبدع إلا لأنه شذَّ وانفرد وامتاز، وخرج على ما ألف غيره من القيود، وليس كل الناس ميسرًا للفن، وليس كل الناس قادرًا على التفوق والابتكار، ولكن من حق الناس جميعًا أن تُهيأ لهم الفرص، وتُمَد لهم أسباب التفوق والابتكار، وأول ما يجب لذلك أن يتاح للشباب، وللشباب خاصة ما ينبغي لهم من الحرية التي تفتح قلوبهم وعقولهم، وضمائرهم لكل ما في الحياة من خير وشر، ولكل ما في الحياة من حسن وقبح، ولكل ما في الحياة من حب وبغض، ليقبلوا على اختيار، لا عن اضطرار، وليحبوا ويبغضوا عن رضًا لا عن إكراه، فإذا لم تتح لهم هذه الحرية، فلا تبتغ منهم خيرًا، ولا ترج منهم نفعًا، ولا تنتظر لهم تفوقًا، ولا ابتكارًا، وإنما انظر إليهم كما تنظر إلى الرقيق المسخرين، وإلى الحيوان الذي تدفعه غرائزه، ويحد من حريته سلطان المستأنسين له المنتفعين به، فيما يحاولون من المآرب والأغراض. إن الفن حرية لا رق … فإذا أردت من الشباب أن يذوقوا الفن، ويسيغوه، ويحاولوه، ويبتكروه، فاجعلهم أحرارًا؛ لأن الفن أثر من آثار الأحرار، لا من آثار العبيد.

طه حسين، مرآة الضمير الحديث

الكتاب مجانًا:
https://www.hindawi.org/books/93197385/