الأقباط متحدون - باسم يوسف وسامح سمير ومنى العشرى
أخر تحديث ٠٦:٣٧ | الثلاثاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ | ١٦كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٨٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

باسم يوسف وسامح سمير ومنى العشرى

 فى ١٩٤١ لم تكن الولايات المتحدة قد دخلت الحرب بعد ضد ألمانيا النازية، لذلك بدا فيلم شارلى شابلن «الديكتاتور العظيم» وكأنه صرخة تحذير مبكرة من خطورة هتلر على مستقبل البشرية. لم يفعل شابلن فى الفيلم أكثر من تقديم سخرية لاذعة وعميقة من المعنى اللاإنسانى والجنونى الذى يمثله الزعيم النازى.

 
السخرية من أقوى الأسلحة فى مواجهة الحكم الشمولى لأنها تفضح تناقضاته ولامنطقيته. تكشف الجنون والعبث الكامن فيه. الحكم الشمولى هو فكرة قبل أن يكون مؤسسات قمع أوسلطة فرد. هذه الفكرة غالباً ما تكون بسيطة وغامضة فى الوقت نفسه. فكرة مراوغة وقابلة للتصديق من جموع هائلة من البشر. هكذا سارت الملايين خلف هتلر وستالين، وهتفت للخومينى وماوتسى تونج. كل رجل من هؤلاء كان لديه فكرة بسيطة- أقرب فى حقيقتها إلى الجنون- ولكنها أعطت الملايين أملاً فى أن الخلاص قريب.
 
يخطئ التيار الدينى الحاكم كثيراً إذا ظن أن الكوميديان الشاب «باسم يوسف» يسخر من الرئيس أو يهزأ بمكانته. واقع الأمر أخطر من ذلك!. إن «يوسف» يسخر من الفكرة العبثية التى يمثلها الرئيس وجماعته. الفكرة التى تقوم على احتكار الحقيقة المطلقة، واعتبار المعارضة انحرافاً عن طريق الحق. معروف أن المؤامرة تمثل أحد الأركان الرئيسية للفكرة الشمولية. الحكم الشمولى لا يواجه معارضة، ولكنه يتعرض دائماً لمؤامرات شريرة وغامضة. يسخر «يوسف» فى برنامجه من كل هذه الأفكار التى تؤسس لديكتاتورية باسم الدين. منبع الضحك والفكاهة أنه يكشف عن مقدار العبث والتهافت والتناقض الذى تزخر به هذه الأفكار.
 
يعبر «يوسف» عن جيل كامل من الشباب لم يعد يتقبل «الفكرة الشمولية». أبناء هذا الجيل هالهم مشهد الرئيس وهو يخطب وسط أنصار يهللون ويكبرون لكلمات الحكمة قبل أن تخرج من فمه.
 
ثمة آخرون لم يكن لهم حظ باسم من الذيوع والانتشار. «سامح سمير» هو ساخر عظيم أيضاً قد لا يعرفه الكثيرون، ينتمى لهذا الجيل ويستخدم أدواته «الفيس بوك». هو أحد أبرع من قاموا بتفكيك «خطاب يناير»، فى طبعته الفاشية الساذجة. وهو يسخر من تخبط الإخوان، ومن خواء خصومهم فى الوقت نفسه. كتب مؤخراً: «محدش يصدق ولاد العبيطة اللى بيقلولوا نهاية العالم بكرة..نهاية العالم كانت من سنتين واحنا دلوقتى بنتحاسب!». كتب فى موضع آخر: «سيسجل التاريخ أن عصر الرئيس مرسى كان عصر التقدم فى جميع المجالات، وعلى رأسها التقدم بالاستقالة!». وكما هو الحال مع «يوسف»، تلاحظ أن «سامح» يكسر بعنف الإطار السائد، حتى من زاوية اللغة المستخدمة وما هو مسموح ومقبول. كلاهما يستند إلى حداثة الأدوات والابتكار ومفاجأة المتلقى بصورة تجعل الخطاب الشمولى يبدو مضحكاً وعبثياً.
 
ثمة آخرون من هذا الجيل نجحوا كذلك فى كسر الحالة الفاشية التى خلقتها يناير من فرض اتجاه واحد للرأى وتخوين المخالفين و«تفليلهم». لاحظت مثلاً من خلال متابعة محدودة لتويتر العام الماضى أن المدونة «منى العشرى» تشبثت بخطاب متماسك لاذع فى سخريته من نخبة المزايدين من المثقفين والنشطاء الذين ينتمون للتيار المدنى والذين دعوا الناس لتأييد الإسلام السياسى فى انتخابات الرئاسة. استمرت «العشرى» فى هجاء هؤلاء الذى افتعلوا الصراع مع الجيش لعام كامل، وحذرت من فترة مبكرة أن الإخوان سيحصدون ثمرة هذه المراهقة السياسية. كتبت مؤخراً تويتة قصيرة محزنة تستشرف حال النساء فى العصر الإخوانى: «لازم نبتدى نبص فى الأرض وما نبصش فى عين حد، ونكون مكسورين وفى حالنا درءاً للأذى.. لازم نمشى فى الشارع بالخطوة السريعة ونمد فى خطوتنا».
 
باسم يوسف وسامح سمير ومنى العشرى، وغيرهم كثير.. نماذج لخطاب جديد جوهره رفض احتكار الحقيقة المطلقة، وفضح زيف من يدعون امتلاكها من أى تيار كانوا. الخطوة الأولى فى النضال ضد الشمولية هى كشف التهافت الذى ترتكز عليه فكرتها. الحكم الدينى يحتاج إلى تكميم جميع هذه الأفواه لكى يمنع تلك الرسالة من أن تصل لجمهورها. ظنى وقد أكون مخطئاً- أن ذلك صار أمراً شبه مستحيل. يقول شارلى شابلن فى ختام فيلم الديكتاتور العظيم: «الحكام الديكتاتوريون سوف يموتون، والسلطة التى سلبوها من الناس سوف تعود إلى الناس. والحرية لن تموت طالما ظل هناك من يموت لأجلها».
نقلاً عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع