أحمد الجمال
فى الصفحة المتميزة التى أبدع محررها الزميل الأستاذ مصباح قطب فى توظيف آليات «استطلاع الرأى» المعتمدة فى المراكز المتخصصة فى الاستطلاعات توظيفًا صحفيًا رياديًا؛ جاءت إجابات المهندس صلاح دياب الذى استبدل بالأسئلة السبعة التى أجاب عليها من سبقوه سبع أفكار، مضمونها فى مجملها إعمال للخيال أو بالأصح– عندى– إعمال لرؤية مستقبلية تتضمن إشارات للإجراءات اللازمة كى تبدأ وتنمو مثل كرة الثلج المتدحرجة التى يكفى فيها تصميمها أولًا بإحكام لتكون متماسكة قوية ودفعها بقوة وزاوية مناسبتين.

وإذا كانت ثمة ملاحظة فإنها أننى تمنيت أن يشير المهندس صلاح إلى الضوابط التى يراها للحيلولة دون فحش الربح، وتمنع التهرب أو التنصل من حقوق الدولة وبالكشف عن مصادر الثروة.. ثم الإشارة إلى مساحة الالتزام الاجتماعى لتحديث الأمة بالمساهمة الرأسمالية فى التصدى لحل مشاكل مزمنة معضلة، على رأسها قضية التعليم والبحث العلمى وتطبيقاته.

وهنا أستأذن القارئ فى أن أعيد نشر مقال كتب منذ ست سنوات بعنوان «مناشدة للرأسمالية المصرية»:

إذا كان الحلم ما زال متاحًا فى وطننا، فدعونا نحلم بتحرك مدروس وشامل تقوده رموز الرأسمالية المصرية المعاصرة، بهدف المساهمة فى حل جذرى دائم لمشاكل التعليم فى مصر، وعلى رأسها نقص المدارس والفصول والتجهيزات والمدرسين المؤهلين، خاصة بعد أن علم القاصى والدانى أن لدينا أوضاعًا مأساوية فى ذلك النطاق، منها المطلوب كحد أدنى لحل مشكلة نقص الفصول الدراسية يتجاوز المائة والثلاثين مليار جنيه!

وبداية فلن أسهب فيما حاولت التفصيل فيه من قبل، عندما كتبت عن الحاجة الملحة لرأسمالية، وما أود أن أقدم فيه بعض التفاصيل هو الحديث عن المبادرات والتجارب التاريخية الناجحة التى تمت فى ذلك المجال.. مجال التعليم والاهتمام بالشباب ومقاومة المخدرات والمسكرات، لنجد أننا أمام سجل ناصع الوطنية عظيم القدر، وسنجد عشرات المبادرات، التى منها على سبيل المثال وليس الحصر، جمعية التوفيق القبطية التى تأسست عام ١٨١٩، وجمعية المساعى الخيرية القبطية التى تأسست عام ١٨٨٢، وجمعية المساعى المشكورة التى تأسست عام ١٨٩٢ وقبلها الجمعية الخيرية الكاثوليكية التى تأسست عام ١٨٨٦ والجمعية الخيرية للموارنة الكاثوليك ١٨٨٠ ثم سنجد الجمعية القبطية الكاثوليكية لرعاية وتعليم أولاد الفقراء ١٩٠٤، وسنجد أن عدد جمعيات المساعى الخيرية فى مصر حتى عام ١٩٢٩ بلغ ١٠٢ جمعية للشبان و٢٥ جمعية للفتيات، ثم سنجد جمعية السيدات القبطية لتربية الطفولة ١٩٤٠، وقد بلغ عدد المدارس التابعة لهذه الجمعية ٥١ مدرسة منتشرة من الإسكندرية شمالًا إلى المنيا جنوبًا!

وطبيعى أن هذه المؤسسات لم ينشئها مجهولون، وإنما أنشأها رموز المجتمع فى كل مرحلة لنجد أنفسنا أمام أسماء مثل البابا كيرلس الخامس وبطرس باشا غالى الذى أنشأ جمعية المساعى الخيرية القبطية بمساندة المجلس الملى، وهناك باغوص باشا غالى وطوبيا كامل تويج باشا الذين أنشأوا الجمعية الخيرية الكاثوليكية، وهناك أسماء مثل مس آنا طمسن، ومس هويمان، والسيدة المصرية أليس عازر جبران.. وكل هؤلاء وكل تلك الجمعيات اهتمت بإنشاء المدارس واهتمت بتعليم أولاد الفقراء وبحماية الشباب من المسكرات والمخدرات.

ثم تعالوا نتوقف أمام جمعية المساعى المشكورة التى تأسست، كما سبق وقلت، عام ١٨٩٢ عندما التقى بعض كبار الملاك الزراعيين فى مديرية المنوفية، وناقشوا وضع التعليم ومدى العجز فى استيعاب المدارس الحكومية للأطفال، وقرروا إنشاء الجمعية التى كان هدفها هو نشر التعليم والثقافة، وبرزت أسماء محمود باشا أبو حسين وأحمد باشا عبد الغفار وعبد العزيز باشا فهمى ومحمد علوى بك الجزار الذين تناوبوا رئاسة الجمعية ورعايتها.. وجُمعت التبرعات من أموال وعقارات وأوقفت الأوقاف وانطلقت المسيرة لتصبح المنوفية نموذجًا لقلة نسبة الأمية وارتفاع نسبة المتعلمين، وارتفاع نسبة العاملين المجتهدين لكسب رزقهم، ومعظمنا سمع عن عبد العزيز باشا فهمى الذى ضمن عملًا للحمار، عندما جاءته امرأة عجوز تسأله الصدقة فسألها عن أى مورد يمكن أن تقتات منه ليتحقق احترام إنسانيتها، فقالت إنها لا تملك من متاع الدنيا سوى حمار تحتار فى إطعامه!.. فأمر بتوظيف الحمار فى البوستة «البريد» ليركبه ساعى البريد مقابل إيجار شهرى للدابة!!

وافتتحت الجمعية أول مدرسة بنات فى شبين الكوم عام ١٨٩٩، ثم افتتحت أول مدرسة ثانوية عام ١٩٠٤ وبلغت نسبة التلاميذ عام ١٩٠٧ فى مدارس الجمعية ١٥ بالمائة من مجموع تلاميذ المدارس الثانوية على مستوى الدولة! ثم إن هناك نماذج أخرى كالجمعية الخيرية الإسلامية، وجمعية المنشاوى فى الغربية التى أسسها أحمد باشا المنشاوى الذى اشتهر ببطل الغربية وأسد القرشية، بعدما قام بفتح دواره وقصوره ومقراته فى طنطا والقرشية لحماية أقباط مصر، عندما حاول الغوغائيون من المتاجرين بالدين الإسلامى الاعتداء عليهم، بحجة أنهم يتعاونون مع الاحتلال بحكم أنهم مسيحيون! وما زال معهد المنشاوى ومستشفى المنشاوى فى طنطا قائمين حتى الآن!

ومؤكد أن هناك مؤسسات وأسماء غير التى ذكرتها قامت بعبء التعليم فى المحروسة، ولذلك فإنه على ما يسمى بالرأسمالية المصرية الآن- إذا أراد المنتمون لفئتها أن يكونوا أهلًا لشرف الانتماء لرأسمالية وطنية صاحبة دور ورسالة فى مجتمعها وللإنسانية إلى جانب دورها وجهدها فى تعظيم أرباحها- أن يتجهوا لتحقيق هذا الحلم.. حلم نشر التعليم فى مصر، والمساهمة فى التصدى للمشاكل التى تمسك بخناق الأمة فى هذا المضمار.

إننى أتمنى أن يبادر المستنيرون دعاة الليبرالية من رجال الأعمال إلى الإعلان عن بدء الاكتتاب الوطنى العام، ويعلنوا عن تبرعاتهم وعن قبول التبرعات من كافة المواطنين، ولو كان التبرع جنيها واحدًا.
نقلا عن المصرى اليوم