ياسر أيوب

كثيرون جدًّا وليس أهل الرياضة فقط يحتاجون لقراءة نتائج دراسة نشرتها جامعة ديوك الأمريكية منذ أيام قامت بها ثلاث باحثات فى علم النفس.. أليسا سينكلير ويوكسى وانج وراشيل أدكوك.. وكانت الدراسة عن هؤلاء الذين يتخذون قرارات حاسمة ويصدرون أحكامًا نهائية استنادًا فقط إلى انطباعاتهم الأولى.. يسمعون خبرًا أو رأيًا ويقرأون كلمة أو تعليقًا ويشاهدون فيديو أو صورة فيسارعون بالحكم دون تمهل ولا يمنحون أنفسهم أى فرصة للتفكير والتدقيق.. وأظن أن أحد الدوافع الحقيقية للقيام بهذه الدراسة وتجاربها العملية كان حذف عبارة قديمة وشهيرة من حياتنا الحالية.

 

العبارة التى يقولونها هناك بألّا تحكم على كتاب لمجرد رؤية غلافه.. ونقولها نحن هنا بأن الكتاب بيبان من عنوانه.. ففى عالم صاخب ومجنون ومفتوح الأبواب وسريع الإيقاع أزالت التكنولوجيا قيوده وحدوده وأسواره.. بات من السهل خداع أى أحد والتلاعب الممكن والمتقن بأى صورة واسم وفكرة وعنوان وحكاية وقضية.. وأعود من جديد لدراسة جامعة ديوك وما اكتشفته أليسا وزميلتاها، حيث تغيرت قرارات معظم مَن شملتهم الدراسة وأحكامهم واختياراتهم حين أُجبروا على معاودة التفكير وألا يقرروا شيئًا إلا فى اليوم التالى بعد الاستسلام للنوم.. ففى النوم يقوم المخ بإعادة تجميع الحقائق وترتيبها ببطء وتركيز وهدوء مع الاستعانة بما تحتفظ به الذاكرة من تجارب سابقة وخبرات قديمة.

 

 

ويلغى ذلك فكرة أن الانطباعات الأولى لابد أن تدوم.. وفى مقابل الذين غيروا قراراتهم وأحكامهم بعد الهدوء والنوم ومراجعة النفس.. كان هناك مَن هدأوا واستراحوا واكتشفوا أن أحكامهم الأولى كانت خاطئة، لكنهم رفضوا الاعتراف بذلك، ودفعهم كبرياؤهم إلى التمسك بآراء وأحكام رغم معرفتهم بأنها خاطئة.. وأعتقد أننا فى مصر نحتاج كثيرًا وجدًّا لمثل هذه الدراسة والإبطاء قليلًا فى إصدار أحكامنا وقراراتنا حتى لا نقع فى فخ تلك الانطباعات الأولى، التى ليس من الضرورى أن تكون صحيحة.. وألّا نخجل إن اكتشفنا بعد وقت قصير أو طويل أن أحكامنا كنت خاطئة، ونعيد مراجعة أنفسنا دون عناد يجعلنا ندافع عن أخطائنا ونتمسك بها.. وتحتاج الرياضة المصرية بالتأكيد لتلك الدراسة، بعدما انتشرت فى الفترة الأخيرة هذه الأحكام المتسرعة، التى أصدرها أصحابها بعد قراءة سريعة لخبر كاذب أو تعليق لم يقله صاحبه أصلًا.. وعناوين لا قصد منها إلا إبقاء نار الفتنة مشتعلة بين الجميع، ودوام تبادل التجريح والإهانات، وتكريس قاعدة أن الذى يكسب دائمًا هو الأقل التزامًا بأى قواعد أخلاقية والأكثر جرأة على السخرية والإضرار بأى أحد والخوض فى سيرته.. وينساق كثيرون دون قصد وراء ذلك نتيجة انطباعات أولى تساعد عليها أحكام مسبقة يسهل بقليل من الوقت والهدوء اكتشاف أنها ليست صحيحة.

نقلا عن المصرى اليوم