أجرى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس، حوارا إذاعيا لإلقاء الضوء على الأحداث الساخنة التي يشهدها لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
وتنقل "البوابة نيوز" لكم نص الحوار حيث إستهل الدكتور ميشال حديثه بقوله: لا بد لنا من أن نوضح أنّ التهجير، القائم على العنف، هو خرق للقوانين ولشرعة حقوق الانسان؛ في نفس الوقت، هو بالحقيقة عملية إذلال وخرق يومي وسحق هائل للكرامة الإنسانيّة، اذ إنه إخراج للإنسان من دائرة حياته اليومية، من مدرسته ومؤسساته ورميه بالشارع، وهذا ما يشكل ذروة الإذلال والتفكك المجتمعي. ان الناس تعيش مع بعضها في بوتقة واحدة تعطيها الأمان والاستقرار والسكينة فيأتي رميه في الشارع ليضعه في المجهول بما لا يستطيع أن يدرك ما هو مستقبله الآتي.
أشار الدكتور ميشال في حديثه قائلًا : تاريخيًا، كانت لدينا تجارب في الثمانينيات، وها هي اليوم تتكرر في التهجير والإغاثة والايواء وما شابه، لكن البند الأساسي الذي لم ننتبه له في الماضي يجب علينا أن ننتبه إليه اليوم في معضلة التهجير، الا وهو تفكيك للقوى النفسية للإنسان عبر رميه في المجهول وتوقفه عن الإنتاج وتدمير إنتاجه بحيث يقع فريسة الفقر والبطالة والعوز. عندئذ نكون قد وضعنا جزءًا كبيرًا من الشعب في بوتقة الهلاك الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن التهجير والحرب والاعتداء.
هناك قوم لا يروق لهم أن نكون نحن على قيد الحياة وأن نكون موجودين بالأساس، لذلك يهدفون الى إبادتنا ويستعملون شتى الطرق من أجل ذلك. هذا ما يحصل في لبنان ومنطقة المشرق العربي أو ما نسميه المشرق الأنطاكي.
أضاف د.ميشال، أكثر من ذلك، كان مجلس كنائس الشرق الأوسط اول من وصف في الثامن عشر من شهر أكتوبر ٢٠٢٣ حرب غزة "بالإبادة" لأنها حرب إبادة وتطهير عرقي، رغم اعتراضات البعض على هذا الوصف، ولكن سرعان ما وافقوا على التسمية نفسها واعتمدوها.
في هذا السياق، أود أن ألفت النظر بأنني قد شاركت في اجتماع لمجلس كنائس العالمي في أثينا حول موضوع "جدار الفصل العنصري في فلسطين" وهو مقدمة لما يجري في لبنان، لأن نموذج غزة يتكرر تدريجيا في لبنان وهذا ما نخشاه. ان الكلام عن وقف إطلاق النار والمفاوضات والمحاولات الدبلوماسية نراها حتى اليوم مضيعة للوقت، وهذا ما يجعل العدو يتحضر أكثر. وبالتالي نأمل ألا نكون أمام مسار طويل يسير في هذا الاتجاه.
أردف بالقول: إنّ ما يجري هو إبادة، بحيث تصل نسبة القتل يوميا إلى ٥٠٠ قتيل، كما أن مجموع الذين قتلوا هو أكثر من العدد المعتمد إحصائيا في إحصاءات الحروب، والأسوأ من ذلك، أنها تشن على قسم أساسي من اللبنانيين في محاولة لوضعهم في مواجهة القسم الآخر. وهذا ما نخشاه.
على الصعيد الاغاثي، بعثت دائرة الدياكونيا والخدمة الاجتماعية في المجلس نداء للمساعدة وجلب الدعم، وهي تتعاطى بشؤون الإغاثة بكل أبعادها حتى النفسية. لذلك، عقدنا في فريق العمل اجتماعا موسعا أكدنا خلاله أن ما يجري في لبنان قد تخطى مشكلة الإغاثة والتنمية والتأهيل إلى مشكلة وطنية عامة، لذلك شمل الاجتماع ابعاد الإعلام واللاهوت والسياسة والثقافة، واعتبرنا أن العمل الإغاثي هو من اختصاص الأمانة العامة الموسعة.
الجدير ذكره، أن دائرة الدياكونيا كانت قد بدأت منذ عام بإرسال المساعدة إلى الجنوب الى مراكز تجمع النازحين، وهنا لا بد من التوضيح ان المجلس ليس كسائر المؤسسات الاغاثية، حيث انه لا يستطيع أن يرفد مراكز الايواء بالمساعدة السريعة. المجلس يؤمن حاجات اعمال الإغاثة من السوق المحلية، لذلك أطلقنا النداء اذ اننا نتطلع لمرحلة ما بعد الإغاثة، أي أعمال التأهيل وبداية التنمية، أي اننا نهتم بحاجة الناس في المرحلة التي تلي الاغاثة.، خصوصا التأهيل المهني والمسكن.
في خط مواز، نرى وبكل وضوح، أن الكون قد تحول إلى " شيطان أخرس"، ساكت عن الحق، يعرف الحق، ويسكت عنه أيضا، وما شهدته بلادنا والعديد من الدول من قتل وتهجير، خير دليل على ذلك.
وتابع، نعم، لدى البشرية معايير مزدوجة، ومصالح شركات السلاح والنفط وغيرها من الشركات المتعددة الجنسيات، مرتبطة ببعضها البعض من ضمن منظومة عالمية تتخذ القرارات التي نرى تبعاتها قتلاً ودماراً وانتهاكاتٍ لأبسط القواعد الإنسانية.
ليس السياسيون هم الذين يتخذون القرارات، إنما من يأخذها هم من يهدفون الى وضع أيديهم على ثروات العالم والمواد الأولية واستغلالها لمصالحهم الخاصة. هم يسيرون وراء مصالحهم التي بموجبها تدار الدول في هذا العالم، حيث يتجند الفقراء والمعوزين، وترسل الجيوش ويستغلون من أجل السيطرة على مصالح الشعوب وزيادة الثروات. والأخطر من ذلك، مشاكل البيئة الناتجة عن الحروب واستعمال مواد الوقود الأحفورية التي تشكل عبئا على حياة الإنسان في مجتمع الحداثة. ما هذه "الصدفة" أن من يقيمون تلك المؤتمرات البيئية العالمية هم أنفسهم من يستخرجون مواد الوقود الأحفورية؟
أما على الصعيد الوطني اللبناني، فقد وجدنا الرجاء في مشهدية الإلفة والمؤازرة والتضامن الإنساني الوطني بين ابناء الشعب اللبناني، لكن ذلك يبقى رهن المدة الزمنية للحرب والازمة التي نتجت عنها، اذ إن التضامن المحب والعفوي قد لا يستمر إذا ما طالت مدة الأزمة.
إضافة الى ذلك، لا بد لنا من التوضيح أن المبادرات التي نشهدها اليوم ليست كافية، لا في لبنان ولا في العالم برمته. فما تقوم به الهيئات هي بمثابة " البحصة التي تسند الخابية"، وهذا وضع توازن هش. إن كل ما تقوم به الهيئات ليس كافيا أمام قدرات الدولة التي هي بحالة إفلاس، مقابل دولة قادرة عند المعتدين.
رغم كل ذلك، نرى بأن العمل على الأرض هو أمر ضروري، كما أن الكلمة في بعدها المعنوي لها تأثير إيجابي، لذلك عندما نصدر البيانات الكنسية وتتصدر مواقع التواصل العالمية يكون لديها فعل مناصرة ونداء انساني اجتماعي وسياسي. تأتي إلى جانب هذه البيانات مروحة من الاتصالات لتشكل جميعها وسيلة ضغط على قرارات معينة. لكن المجلس لا يتدخل الا في القرارات التنموية.
ختم قائلًا: "أن زمننا هو زمن النفاق وإزدواجية المعايير القائمة على أمرين أساسيين، غسل دماغ منهجي على المستوى العالمي وبعض من السذاجة عند بعض الفئات نتيجة لنظرة الدول المتقدمة إلى هذه الشعوب الفقيرة النامية.
أمام كل ذلك، أشدد "ألا ينزلق اللبنانيون نحو الفتنة، وهنا قد يكونوا قد خدموا من قام بالحرب عليهم".