القمص يوحنا نصيف
    والكنيسة تصِف الكلمة الإلهيّة بأنّها "أنفاس الله" ففيها أنفاسه المُحيية، أو بحسب تعبير السيِّد المسيح: "الكلام الذي أكلّمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63).

    لذلك كان من الضروري جدًّا للكنيسة أن تتغذّى باستمرار على الكلمة الإلهيّة.. تلهج فيها نهارًا وليلاً، وتصنع منها صلواتها وقدّاساتها وتسابيحها، وتكُون هي موضع تأمّلاتها وانشغالها، فتصير ينبوع تعزيتها وأفراحها..!

    في الوصيّة التي توصي بها الكنيسة الوالدَيْن بعد معموديّة أحد أبنائهما، تقول: "اجتهدوا في تعليمهم تلاوة الكتب المقدّسة التي هي أنفاس الله".. وهذا معناه أنّه مطلوب بذل الكثير من الجهد في الاهتمام بتعليم أولادنا منذ صِغَرهم كيف يقرأون ويفهمون الأسفار المقدّسة من العهد القديم والجديد.. والتي هي بمثابة أنفاس مُحيية لهم من الله تنير عقولهم وتعزِّي قلوبهم وتُحيي أرواحهم.. يبدأون بمساعدة الوالدين في فهمها ودراستها منذ نعومة أظفارهم.. فينطبق عليهم ما قيل عن القديس تيموثاوس الخادم العظيم "وأنّك منذ الطفوليّة تعرف الكتب المقدّسة القادرة أن تحَكِّمَك للخلاص.." (2تي3: 15).

    ويتدرّج الإنسان من مرحلة التغذية بالكلمة، إلى حالة الشّبع بالكلمة، إلى مستوى الفيض بكلمات النعمة؛ عندما يصير الإنسان ينبوعًا فائضًأ يستخدمه الروح القدس لكي يرتوي منه كثيرون، ويتحقَّّق فيه قول السيّد المسيح "مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ.." (يو7: 38-39).

    اللطيف أنّه في جميع المستويات، وأقصد مستوى التغذية أو الشبع أو الفيض، يستطيع الإنسان أن يكون تاجرًا بالكلمة.. أي يشارك ما يقرأه ويتمتّع به مع آخرين.. فكما أنّ التُجّار يتدرّجون في حجم تجارتهم، فعندما ينجحون تنمو تجارتهم وتمتدّ وتَفتَح آفاقًا جديدة، هكذا أيضًا الذين يتاجرون بكلمة الله، يُمكِنهم أن ينموا في تجارتهم الروحيّة فيشاركون كلمة الله التي يتمتّعون بها كلّ يوم مع أشخاصٍ أكثر وفي آفاقٍ أوسع.. ومع تطوُّر وسائل التواصُل الاجتماعي أصبح من السهل على كلّ إنسان أن يتاجِر بكلمة الله المُحيية، فيشاركها مع أقربائه وأصدقائه، وتكون مادّةً للحديث والتأمُّل بين مجموعات عديدة تلتفّ حولها وتتلذّذ بها، فتُشبِعهم وتعزِّيهم وتقود خطواتهم..

    قِيلَ عن عَزرا الكاهن أنّه كان كاتِبًا ماهرًا في شريعة الله (عز7: 6)، فكان مُعلِّمًا عظيمًا وقائدًا مُمَيَّزًا في عصرٍ مُظلِم قاد فيه شعب إسرائيل بعد العودة من السبي إلى توبة جماعيّة هائلة.

    ما أسعد الإنسان الذي يصير تاجرًا بكلمة الله.. هذا النوع من التجارة الذي هو أفضل من الاتِّجار في كنوز الذّهب والفضّة والحجارة الكريمة (مز19: 10، مز119: 72). في هذه التجارة الروحيّة نشتري من الله كلمته الغالية مجّانًا (إش 55: 1، رؤ22: 17)، ثمّ نعيد بَيْعها للناس أيضًا مجَّانًا، مُقَدِّمين إيّاها بالشكل واللغة المُناسِبة لهم، فتُحيي قلوبهم وتُشبِع نفوسهم وتنير أفكارهم..

    يا لها من تجارة رائعة..!!

    ألا تشتاق أيّها القارئ المحبوب أن تصير تاجرًا ماهرًا بكلمة الله، فتَغتَني وتُغنِي كثيرين؟!
القمص يوحنا نصيف