تفجر الحديث عن زواج المساكنة، وهل أباح بعض الفقهاء الزنا مقابل أجر، بعد تصريحات جدلية أثارها أحد المحامين بشأن المساكنة وإجازة الإمام أبي حنيفة الزنا بأجر، الأمر الذي استدعى ردا من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وعدد من علماء المؤسسة، يحسم رأي الشرع في تلك المسألة.. إليك التفاصيل:
المحامي بالنقض هاني سامح خرج بتصريحات تليفزيونية أكد فيها أنه مع فكرة المساكنة قبل الزواج، موضحًا أن هذه حرية شخصية، وأن ابنته إذا قامت بفعل هذا الأمر لن يمنعها، فهو يقبل بالحقوق الإنسانية.
وتطرق المحامي إلى أن الإمام أبو حنيفة وافق على المساكنة إذا كان هذا الأمر بمقابل، مشيرًا إلى أن أبو حنيفة أباح الزنا بأجر، وأنه لا يستطيع أحد أن يقوم شيء غير الذي يقوله.
التصريحات المثيرة استدعت ردا من الدكتور عباس شومان، الأمين العام لـ هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على تلك التصريحات بشأن جواز المساكنة والزنا بأجر وادعاء الأخير على الإمام أبو حنيفة أنه أجاز ذلك، حيث قال شومان، في منشور له بصفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "التصريح الذي نشر منسوبًا إلى شخص يدّعي على الإمام أبي حنيفة أنه أباح الزنا بأجر، وأنه لن يمنع ابنته منه إن إرادته.. فإن كان صرح بهذا فهو كذاب أشر، والأئمة براء من هذا الفجور.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
وكانت الدكتورة سعاد صالحد أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر الشريف، علقت في وقت سابق على حديث إحدى الفنانات بشأن خوضها تجربة المساكنة قبل الزواجد وقالت سعاد في تصريحات تليفزيونية: إن كل علاقة سرية بين اتنين أجانب تعتبر علاقة زنا.. والمساكنة علاقة زنا.. وللأسف عايزين نقلد فقط.
وأضافت سعاد صالح: قال الحديث النبوي الشريف: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يفعل العبد معصية في الليل، ثم يصبح وقد ستره الله، فيفضح نفسه ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا.
وعن حكم المساكنة، قال مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية، في بيان سابق، إن الدعوات البائسة إلى ما يسمى بـ«المساكنة» تَنَكُّرٌ للدين والفطرة، وتزييفٌ للحقائق، ومسخٌ للهُوِيَّة، وتسمية للأشياء بغير مسمياتها، ودعوة صريحة إلى سلوكيات مشبوهة محرمة.
وأوضح الأزهر للفتوى، في بيان فتواه عدة أمور وأحكام حول ما يسمى بالمساكنة:
أحاط الإسلام علاقة الرجل والمرأة بمنظومة من التشريعات الراقية، وحصر العلاقة الكاملة بينهما في الزواج؛ كي يحفظ قيمهما وقيم المجتمع، ويصونَ حقوقهما، وحقوق ما ينتج عن علاقتهما من أولاد، في شمول بديع لا نظير له.
يُحرِّم الإسلام العلاقات الجنسية غير المشروعة، ويحرّم ما يوصّل إليها، ويسميها باسمها «الزنا»، ومن صِورِها ما سمي بـ«المساكنة».. التي تدخل ضمن هذه العلاقات المحرّمة في الإسلام، وفي سائر الأديان الإلهية والكتب السماوية.
العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وإن غلفت مسمياتها بأغلفة مُنمَّقة مضللة للشباب، كتسمية الزنا بالمساكنة، والشذوذ بالمثلية.. إلخ؛ -بمنتهى الوضوح- علاقات محرمة على الرجل والمرأة تأبى قيمنا الدينية والأخلاقية الترويج لها في إطار همجي منحرف، يسحق معاني الفضيلة والكرامة، ويستجيب لغرائز وشهوات شاذة، دون قيد من أخلاق، أو ضابط من دين، أو وازع من ضمير.
الزنا كبيرة من كبائر الذنوب يعتدي مرتكبها على الدين والعرض، وحق المجتمع في صيانة الأخلاق والقيم، وهبوطٌ في مستنقع الشهوات، وقد سمَّاها الله تعالى فاحشة، وبيّن أن عاقِبَتها وخيمة في الدنيا والآخرة، ساء سبيل من ارتكبها ولو بعد حين؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. [الإسراء: 32]
ولا ينحصر تحريم هذه الكبيرة على المسلمين فقط؛ ففي الوصايا العشر: «لا تزن».
عقد النقاشات حول قبول المساكنة على مرأى ومسمعٍ من النّاس طرح عبثي خطير، يستخفُّ بقيم المجتمع وثقافته وهُوِيَّتِه، ولا يمتُّ للحرية من قريب أو بعيد، إلا حرية الانسلاخ من قيم الفطرة وتعاليم الأديان.
طرح دعوات صريحة توجّه المجتمع نحو ممارسات منحرفة، وعرض المحظور في صورة المقبول، يُحطِّم كثيرًا من حصون الفضيلة في نفوس النشء والشباب، الذي هو حجر الزاوية في المجتمعات وركنها الركين، مما يُنذر بخطر الاجتراء على حدود الله ومحارمه.
تقديم المساكنة للمجتمع في صورة بديل الزواج أو مُقَدِّمةٍ له بزعم تعرّف كلا الطرفين على الآخر؛ إمعانٌ في إفساد منظومة الأسرة والمجتمع حقوقيًّا وأخلاقيًّا، ودينيًّا، واختزال لعلاقة الزواج الراقية بين الرجل والمرأة في متعة زائفة، واعتداء على كرامة المرأة، وإهدار لحقوق ما ينتج عن هذه العلاقة من أولاد، فالبدايات الفاسدة لا تثمر إلا الفاسد الخبيث.
الجرأة في طرح الجرائم اللاأخلاقية، والسعي لتطبيع هذا النوع من العلاقات الشّاذة والمحرّمة، من خلال خطط شيطانية ممنهجة، تعصف بقيم الفطرة النقية، وتستهدف هدم منظومة الأخلاق، ومَسْخ هُوِيَّة الأفراد، وتعبث بأمن المُجتمعات واستقرارها؛ هذه الجرأة جريمةٌ مستنكرة ممن لا يقيمون وزنًا لهدي السماء، وحكمة العقل، ونداءات الضمير.
يشد الأزهر الشريف على أيدي الآباء والأمهات، والمُؤسسات الثَّقافية والتَّربوية والتَّعليمية، فيما يضطلعون به من أدوار تربوية نحو النَّشء تعزِّز قِيَمَ الآداب والفضائل الأخلاقيَّة والدِّينية القَويمة والرَّاقية، وتُحَصِّنهم من الوقوع في مستنقعات الشّهوةِ والرَّذيلة.
يهيب الأزهر الشريف بأصحاب الرأي والفكر والإعلام أن يكونوا على حذرٍ من استغلال منابرهم في الترويج لمثل هذه الدّعوات الهابطة؛ عن عمدٍ أو غير عمدٍ؛ لنشر فتنة أو رذيلة تعبث باستقرار المجتمعات وأبنائها، وتروج للفواحش المنكرة، والأفكار الوافدة، التي تحاول النيل من ثوابت ديننا الحنيف، وقيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية.