ياسر أيوب
بعيدا عن صمت الخائفين والطامعين.. هناك من يصمت لأنه ليس هناك من يسمعه.. أو لأنه ليس لديه ما يقوله.. أو لأنه رفض المشاركة فى مهزلة كلام رخيص أو قبيح.. فالصمت أحيانا هو اللغة الأجمل فى العالم كما قال غاندى.. ومنتهى القوة أحيانا كما قال تولستوى.. ومنتهى الحكمة كما قال تشارلى شابلن.. وهو الإجابة الوحيدة المناسبة على أسئلة الحمقى كما قال الإمام الشافعى.

وكل هذا كلام ينساه الناس فى ملاعب كرة القدم التى لا تحب الصمت ولا تعترف به أو تقبله.. فاللعبة تعشق الصخب والضجيج ولا تعرف غير الصوت العالى للدفاع أو الهجوم والتعبير عن الإعجاب أو الغضب.. ولهذا كانت مفاجأة حقيقية وجميلة للصحفيين الذين طلبت منهم مؤسساتهم وشبكاتهم وصحفهم وشاشاتهم تغطية مباريات كرة القدم لفاقدى البصر فى دورة باريس الباراليمبية الحالية.

مباريات استضافها استاد برج إيفل المؤقت الذى أقيم خصيصا لهذه الدورة على ضفاف نهر السين أمام البرج الباريسى الشهير.. وفى مقابل صحفيين اعتادوا متابعة هذه اللعبة وبطولاتها ومبارياتها.. كان هناك من يقومون لأول مرة بمشاهدتها والكتابة والحديث عنها.. وهؤلاء هم الذين حرصت على متابعتهم فى الأيام الماضية وكيف فوجئوا بصمت الجماهير فى المدرجات.. فاللاعبون يحددون مكان الكرة حسب الصوت الذى يصدر عنها.

وإذا مارست المدرجات نفس الصخب الكروى المعتاد فلن يستطيع اللاعبون معرفة أين الكرة أو متابعة حركتها.. ولم يكتب هؤلاء الصحفيون عن المباريات ونتائجها لكنهم أطالوا الحديث عن جماهير لم تكن كلها تعرف قواعد اللعبة وضرورة الصمت فى مبارياتها.. فجلسوا فى أماكنهم بمنتهى الحرص على ألا يصدر عنهم أى صوت احتراما وتعاطفا مع هؤلاء اللاعبين لتعرف كرة القدم معهم وبهم التشجيع بالقلب وليس اللسان.

وأضيف لما قاله وكتبه هؤلاء الصحفيون أن صمت الجماهير أثناء اللعب لا يعنى فقط احترام القواعد وإتاحة الفرصة للاعبين للبحث عن الكرة.. إنما يعنى أيضا احترام انتصار الإنسان على عجز ليسوا مسئولين عنه لكنهم قرروا أن يعيشوا حياتهم رغم كل ظروفهم ومعاناتهم وأن يبحثوا بآذانهم عما يسعدهم بعد أن تعطلت أعينهم.. وأكد لاعبون كثيرون أنهم يشعرون بالجماهير رغم هذا الصمت العميق.

وحين يتوقف اللعب أو بين شوطى المباراة يبلغ المذيع الداخلى الجماهير بإمكانية الكلام والهتاف وحتى الصراخ.. وقد أصبحت هذه اللعبة ضمن قائمة الدورات الباراليمبية منذ ٢٠٠٤ وينص قانونها على أن تقام فى ملاعب صغيرة حيث يمثل كل فريق خمسة لاعبين منهم حارس مرمى.. وزمن المباراة ٥٠ دقيقة ولاتعترف اللعبة بالتسلل وتسمح بوجود رجل يقف خارج الملعب لتوجيه اللاعبين وإرشادهم إلى مكان الكرة.
نقلا عن المصرى اليوم