سمير مرقص
(١) «الإنسان والمُبدع»
عاطف بشاى، عرفته مبدعًا فى مطلع الثمانينيات، وعرفته إنسانيًا فى السنوات الأخيرة. لم أجد أى اختلاف بين الخط الإبداعى الذى اختطه لنفسه وجسده فى غالب الأعمال التى أنجزها وبين سلوكياته وتعاملاته فى الحياة اليومية. فلقد كان الأديب والسيناريست عاطف بشاى مولعًا فى الدراما التى يقدمها بالكشف عن المكنون الإنسانى للأنماط البشرية التى يتناولها، ومدى تفاعلها- بإيجابياتها وسلبياتها- مع الواقع الاجتماعى وتقديمها على حقيقتها. وذلك دون أحكام قيمة مسبقة، أو أيديولوجية. كذلك دون تجميل أو مبالغة أو انتقاص من تلك الشخصيات على اختلافها. لم يختلف النهج المهنى لعاطف بشاى فى تناوله الدرامى عن تعامله الإنسانى الحى فى الحياة، فلقد كان يتعاطى مع البشر كما هم. ولم يحل ذلك دون أن يعبر عن رأيه بوضوح وموضوعية حول القضايا المثارة والشخصيات الجدلية المختلفة. وأن يمتن لأساتذته وأصحاب الفضل عليه، وأن يكتشف محاسن الناس. وهكذا شاهدت أعماله المتتالية التى تراوحت بين التأليف والمعالجات الدرامية وكتابة السيناريو والحوار، والتى كان حريصًا على أن يتناول من خلالها موضوعات جديدة من جهة. كذلك كان فى حواراته الحية، والتى تشاركنا فيها فى لقاءتنا القليلة- مؤخرًا- التى جمعتنا فى «روستوران شانتييه» بالكوربة فى مصر الجديدة الذى أتردد عليه من حين لآخر، وكان هو ملتزمًا بالتردد الدورى عليه وممارسة، بانضباط شديد، طقوس القراءة، والعمل، ولقاء الأصدقاء، والأحباء.

(٢) «الغنى الإنسانى»
ساهمت شخصية «بشاى» شديدة الإنسانية إلى أن يطالع الأنماط البشرية المتنوعة ــ دون تحفظ ــ فى إبداعات الكثير من كبار الأدب المصرى ــ على اختلاف توجهاتهم ــ ومعالجة أعمالهم دراميًا، وأن يضع لها السيناريو والحوار كما فعل لأعمال: تحقيق، وأهل القمة، وحضرة المحترم لنجيب محفوظ. ولغة الآى آى، والطوفان ليوسف إدريس. والمغماطيس لنعمان عاشور. وقبل الوصول إلى سن الانتحار، وكل شىء قبل أن ينتهى العمر، وإلى أين تأخذنى هذه الطفلة؟، ونسيت أنى امرأة لإحسان عبد القدوس. ولا، وقاضى القضاة لمصطفى أمين. وأمهات لم يلدن أبدا ليوسف جوهر. وفوزية البرجوازية، والوزير جاى، ومحاكمة على بابا، والمجنون، وصاحب العمارة، والحب وسنينه، وناس وناس، والإدارة العامة للكباب لأحمد رجب. والوليمة، والرمال لعبد الفتاح رزق. ودموع صاحبة الجلالة لموسى صبرى. والكماشة لمحمود السعدنى. والكلام المباح لسناء البيسى. ويوميات امرأة عصرية لإيفلين رياض. ووهج الصيف لأسامة أنور عكاشة، واللقاء الثانى لنهى حقى. ويا رجال العالم اتحدوا لسلوى الرافعى. والشباب يعود يومًا لفريد شوقى.. إلخ.

نتج عن هذه المطالعات ــ حسب تعبيره فى كتابه: حكاياتى فى دفتر الفن الصادر مؤخرًا عن دار ريشة ــ «غنى إنسانى» من: الكبار والصغار.. العظام والصعاليك.. قادة الرأى ومفكرى العصر.. وعقول الأمة والمثقفون الحقيقيون.. وأنصافهم وأرباعهم.. النقاد العتاولة والمزيفون.. الطبالون.. الأفاقون.. والانتهازيون.. والأدعياء.. والخونة.. العمالقة.. والأقزام.. متمردو العصر.. وكهنة التحريم.. الأتقياء والملاحدة. كما يمكن ــ يقول بشاى ــ «أن تستلهم من أنماطهم ملامح الكثير من الشخصيات الدرامية». مكنته السياحة الحرة فى إبداعات الأدباء المصريين على اختلافهم من أن يركز على الحصاد الإبداعى لهم دونما ترفع أو تحيز، حسبما كان سائدًا من قبل النقاد الأيديولوجيين/ الحنجوريين من جانب والنقاد الأخلاقيين/ المتزمتين من جانب آخر. ويبدو لى أن دأب «بشاى» على التنقيب فى أعمال الأدباء، بعيدًا عن التصنيفات التى تقصى أديبًا وتحتضن آخر، كان عن قناعة بأن السبيل لنجاح عملية الإنتاج الدرامى فكريًا وتقنيًا، إنما ينطلق من خلال «الاعتماد على الأدب كركيزة أساسية». كما يحقق ــ حسب عاطف بشاى نقلا عن ممدوح الليثى الذى كان يصفه بالمؤسسة الإعلامية ــ «إنشاء بناء درامى متماسك يحقق محتوى فكريًا مهمًا». ويمكن أن نضيف أيضًا، فى هذا المقام، إبداعًا دراميًا قوميًا رائدًا.

(٣) «جدالات محتدمة إبداعية»
لم تكن معالجات «عاطف بشاى» لأعمال كبار الأدباء مجرد نقل مسطرة لتلك الأعمال. إذ يروى فى كتابه «حكاياتى فى دفتر الفن» كيف كان يدخل فى «جدالات محتدمة» ــ وهو تعبير دائم التكرار فى الكتاب ــ مع الأدباء الكبار، مثل: نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، وغيرهم. ونعرض هنا رؤية «عاطف بشاى» لفن المعالجة الدرامية، والتى مفادها ما يلى: «التوصل إلى بناء درامى مختلف»، إذ إن «لغة الأدب القصصى/ الروائى يجب أن تختلف عن اللغة المرئية للأدب.. فالقصة أو الرواية المقروءة تختلف اختلافًا كبيرًا فى بنائها وطريقة سردها عن طبيعة العمل المرئى من خلال السيناريو الذى يعتمد على أدوات ووسائل مختلفة. ومن ثم فإن السيناريو فن قائم بذاته ولذاته، ولا يعتبر كاتبه مجرد وسيط أو مُعد، أو ناقل أو محاكٍ للرواية الأصلية، وإنما هو ينشئ عالمًا كاملًا يوازى عالم الروائى.. يتفق معه فى المضمون الفكرى، ولكنه يختلف معه فى وسائل التعبير».. ومن ثم أبدع ــ ليس فقط ــ فى معالجاته الدرامية، بل فى أعماله المؤلفة مثل: المصيدة، والمنحوس، ودقات الساعة، وسقوط القنعة، والأب، والنساء القادمون، وتاجر السعادة، ...، إلخ... وبعد، غادرنا «عاطف بشاى» قبل أيام، وهو فى قمة تألقه الإبداعى، ولا يفوتنى أن أشيد بتجربته ــ التى تابعتها ــ فى تشجيع جمعيات المجتمع المدنى من خلال وزارة التضامن فى دعم شباب الموهوبين.. وداعًا «عاطف بشاى».
نقلا عن المصرى اليوم