محرر الأقباط متحدون
توجه البابا فرنسيس صباح الأربعاء إلى القصر الجمهوري في جاكارتا حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمي قبل أن يقوم بزيارة مجاملة، كما جرت العادة، لرئيس البلاد المنصرف السيد يوكو ويدودو. وعند الساعة العاشرة والنصف تقريباً بالتوقيت المحلي كان للحبر الأعظم لقاء مع ممثلين عن السلطات المدنية والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني.
وجه البابا للحاضرين خطابا مسهباً شكر في مستهله الرئيس على الدعوة التي وجهها له لزيارة البلاد، كما حيا الرئيس المنتخب، متمنياً له جهودا مثمرة في خدمة إندونيسيا، هذا الأرخبيل الشاسع الذي يضم آلاف الجزر التي يغسلها البحر ويربط آسيا بأوقيانيا. وقال البابا: كما أن المحيط هو العنصر الطبيعي الذي يوحد بين جميع الجزر الإندونيسية، كذلك الاحترام المتبادل بين مختلف الخصائص الثقافية والعرقية واللغوية والدينية لجميع المجموعات البشرية التي تكون إندونيسيا هو النسيج الأساسي الذي يضم الشعب الإندونيسي ويجعله متحدا وفخورا.
مضى الحبر الأعظم إلى القول: إن شعاركم الوطني "متحدون في التنوع"، يُظهر بوضوح هذا الواقع المتعدد لشعوب متنوعة في أمة واحدة. ويُظهر أيضا أنه كما أن التنوع البيولوجي الكبير الموجود في هذا الأرخبيل هو مصدر للغنى والجمال، كذلك الاختلافات في الأنواع تساهم في تكوين فسيفساء جميلة، كل حجر فيها لا يمكن الاستغناء عنه في تكوين تحفة كبرى أصلية وثمينة.
ولفت البابا إلى أن الانسجام يتحقق في احترام التنوع عندما تأخذ كل رؤية خاصة بعين الاعتبار الاحتياجات المشتركة للجميع، وعندما تعمل كل مجموعة عرقية وطائفة دينية بروح الأخوة، سعيا لتحقيق الهدف النبيل الذي هو خدمة الخير العام للجميع. ومتى أدرك الجميع أنهم يشاركون في تاريخ مشترك، فيقدم كل واحد مساهمته الخاصة، وحيث تضامن كل واحد مع كل واحد، هو أمر أساسي، يساعد ذلك على إيجاد الحلول الصحيحة، وتجنب إثارة الصراعات، وتتحول المعارضة إلى تعاون فعال.
وهذا التوازن الحكيم والدقيق بين تعدد الثقافات واختلاف الرؤى الأيديولوجية والأسباب التي ترسخ الوحدة، تابع البابا يقول، يجب الدفاع عنه دائما وحمايته من كل خلل. وهذا عمل حرَفي موكول إلى الجميع، ولا سيما إلى العمل الذي تقوم به السياسة، فيكون هدفها الانسجام والإنصاف واحترام الحقوق الأساسية للإنسان والتنمية المستدامة والتضامن والسعي لتحقيق السلام، سواء داخل المجتمع أو مع الشعوب والأمم الأخرى.
ومن أجل تعزيز الوئام السلمي والبناء، الذي يضمن السلام ويوحد القوى للتغلب على كل أنواع الخلل، وجيوب الفقر التي لا تزال قائمة في بعض مناطق البلاد، تريد الكنيسة الكاثوليكية زيادة الحوار بين الأديان. وبهذه الطريقة، سيكون من الممكن القضاء على الأحكام المسبقة وتعزيز مناخ الاحترام والثقة المتبادلَين، وهو أمر لا غنى عنه لمواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك مواجهة التطرف والتعصب، الذي يحاول - بتشويه الدين - فرض نفسه بالخداع والعنف.
بعدها قال البابا إن الكنيسة الكاثوليكية تضع نفسها في خدمة الصالح العام، وترغب في تعزيز التعاون مع المؤسسات العامة وغيرها من هيئات المجتمع المدني، لتشجيع تكوين نسيج اجتماعي فيه مزيد من التوازن، ولضمان توزيع فيه المزيد من الفعالية والمساواة في المساعدة الاجتماعية. وأضاف قائلا: إن الوحدة في التعددية، والعدالة الاجتماعية، وبركة الله، هي المبادئ الأساسية، لإلهام وتوجيه برامج محددة، وهي مثل الركن الداعم، والأساس المتين الذي يُبنى عليه البيت. وكيف لا نلاحظ أن هذه المبادئ تتفق تماما مع شعار زيارتي لإندونيسيا: "الإيمان والأخوّة والرحمة"؟
هذا ثم لفت البابا إلى أنه توجد في العالم الحالي وللأسف بعض الاتجاهات التي تعيق تطور الأخوّة الشاملة، إذ نشهد، في مناطق مختلفة، ظهور صراعات عنيفة، غالبا ما تكون نتيجة لعدم الاحترام المتبادل، أو لإرادة لا تلين، مهما كلف الأمر، في تأييدها للمصالح الخاصة، أو في موقف خاص لها، أو نتيجة للتمسك برواية تاريخية جزئية، حتى لو أدى ذلك إلى آلام كثيرة لجماعات كثيرة، وإلى حروب حقيقية دامية. وفي بعض الأحيان تنشأ توترات عنيفة داخل الدولة نفسها، وذلك لأن صاحب السلطة يريد توحيد كل شيء، وفرض رؤيته الخاصة حتى في الأمور التي يجب أن تُترك لاستقلالية الأفراد أو الجماعات. وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية، هناك حالات كثيرة ينقص فيها الالتزام الفعال وبعيد النظر لبناء العدالة الاجتماعية. فينجم عن ذلك أن جزءا كبيرا من البشرية يُترك على الهامش، دون وسائل العيش الكريم ودون دفاع لمواجهة أنواع الخلل الاجتماعية الخطيرة والمتنامية، والتي تؤدي إلى صراعات حادة.
تابع البابا قائلا إنه يُعتقد أنه يمكن أو يجب على المرء أن يتجاهل طلب بركة الله، معتبرا أنها غير ضرورية للإنسان والمجتمع المدني، الذي يجب تعزيزه وبناؤه بجهوده الخاصة. لكن ذلك كثيرا ما يؤدي إلى الإحباط والفشل. وعكس ذلك، هناك حالات يتم فيها وضع الإيمان بالله باستمرار في المقدمة، لكن للتلاعب به، للأسف، فلا يخدم بناء السلام والشركة والحوار والاحترام والتعاون والأخوّة، بل إثارة الانقسامات وزيادة الكراهية.
في ختام كلمته إلى السلطات المدنية قال البابا: في مواجهة هذه الظلال، من المنعش رؤية الفلسفة التي تُلهِم تنظيم الدولة الإندونيسية بالحكمة والتوازن. وآمل أن يتمكن الجميع، في القيام بواجبهم اليومي، من استلهام هذه المبادئ وجعلها فعالة في الأداء العادي لواجباتهم، لأن السلام هو ثمرة العدل، ويتم تحقيق الانسجام عندما يلتزم الجميع ليس فقط بمصالحهم ورؤيتهم الخاصة، ولكن بهدف خير الجميع، وبناء الجسور، وتشجيع الاتفاقات والتآزر، وتوحيد القوى بهدف هزيمة كل شكل من أشكال العلل الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز السلام والوئام.