(حلم ورؤية)
القمص اثناسيوس فهمي جورج
نحلم بمشروع موسوعة قبطية في القرن الواحد والعشرين؛ تكون مؤلفًا إحيائيًا، يتضمن المعلومات العامة؛ حول موضوعات المعرفة الكنسية بعلومها وفروعها . موسوعة يغلب على معلوماتها الاختصار والتركيز والشمول والتكامل ، تعتمد على دقة الفهرسة والتنظيم، سواء حسب الموضوعات أو الترتيب الهجائي، ليسهل على الدراسين والبحاثة الاستفادة منها. فغالبًا ما تعتمد الموسوعات في إعدادها على الكثير من الكُتَّاب يكتب فيها؛ كلٌّ في تخصصه، كي تغطى مناحي العلوم اللاهوتية العديدة. ( التاريخ والايقونات واللغة والتقويم والادب والتفاسير والسير والابقطي و الكتابات والاباء والاسرار والعقيدة .... ) .
وتأتي أهمية الموسوعات في كونها مصدرًا هامًا للحقائق عن (ماذا ومتى وأين وكيف؟)، لتكون مصدرًا أساسيًا في إعطاء خلفية أولية عن المعلومات للدارس والباحث والخبير والقارئ العادﻱ. إذ تتميز الموسوعات بأولية المعرفة وإرشاد كل من يتطلع إلى العمق؛ للاستزادة من المعلومات عن طريق البيلوغرافات التي تقدمها في نهاية مقالاتها، مما يفتح المجال لمساعدة القارئ للوصول إلى معلومات متخصصة أعمق في مجال الموضوع.
كذلك تقدم الموسوعة إجابات مفتاحية واستفسارات تفتح آفاقًا مرجعية؛ يتلقاها الدارس لتحديد بوصلته في التوجه البحثي، كلما دخل إلى أبواب أكثر رحابة واتساعًا عبر التفتيش والبحث والاستزادة .
فهناك ثلاثة طرق لتنظيم وترتيب العمل الموسوعي:-
١- ترتيب حسب الأحرف الهجائية
٢- ترتيب موضوعي
٣- ترتيب شكلي
حيث يقوم على كتابه الموضوعات وتدقيقها كُتَّاب متعددون متخصصون؛ كلٌّ في مجاله. كذا ويتولى تحريرها هيئة كبيرة من المحررين المَهَرَة؛ ونخبة من الباحثين، حتى تتميز بالتوثيق اللائق والتسجيل واعتماد الملاحق، على أن تكون موضوعاتها موقَّعة بأسماء كُتَّابها، ومنظمة من قبل إدارة التحرير.
الكثير من الموسوعات تجدد محتوياتها بملاحقة التطورات في مجالات مضمونها، بالمراجعات المستمرة كي تناسب مستجدات الاختصاصات ولتواكب التحديث في محتواها الدراسي، ضمن تصنيف الجديد في قوائم المؤلفات (البيلوغرافيات)، لتُعِين كل مهتم بالبحث. فلا شك أن تجديد مفاهيم الاصطلاحات ودلالاتها الدالة عليها، يساهم في بناء المعرفة الفكرية؛ ويشرح رموزها اللغوية، ليسد فراغًا في مكتبتنا. إن عدم وجود هذه الأعمال الموسوعية يشي بحجم (العطالة الفكرية) التي آل إليها حالنا؛ بالقياس للأعمال الخاصة بموسوعات الثقافة والأدب والفن والصحة والجغرافيا واللغويات والفَلَك والهندسة إلخ.
فالموسوعات عمومًا تسد فراغًا كبيرًا في المكتبة، لأنها تشتمل على آلاف من المقالات الموضوعة كثمرة جهد علمي مُضني، عبر رحلة عمل طويل يستمر لسنوات، وهو ما نحلم به في عمل قبطي يُسفر عن أعمال موسوعية لأساتذة ولاهوتيين من جامعات اللاهوت الإكليريكية ومراكز الأبحاث.. بالإضافة إلى الآباء الأساقفة والكهنة والمؤرخين الاختصاصين، المساهمين بمجهوداتهم البحثية والتقنية عالية الجودة. أما عن التنسيق والتحرير فهذه لا بُد أن يؤمِّنها علماء جديرون بالاحترام العلمي اللاهوتي.
لقد صدرت موسوعات ضخمة في الكنائس الأرثوذكسية القبطية والروسية واليونانية والبلغارية وغيرها. ونذكر هنا في هذا المضمار أول موسوعة قبطية Coptic Encyclopedia صدرت سنة ١٩٩٠م لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية، التي تعد من أهم الكنائس الشرقية. في عمل تاريخي مكوَّن من تسعة مجلدات في ٢٣٧٢ صفحة. وقام بنشرها دار ماكميلانMacmillan Publishers في نيويورك، متضمنة ٤٠٠٠ موضوعًا دراسيًا؛ تنوعت في : التاريخ واللاهوت واللغة والفن والعمارة والآثار والموسيقي؛ وسِيَر القديسين الخاصة بالأقباط. قام بتحريرها أكثر من ٢٥٠ خبيرًا في كل المجالات والقبطيات. وقد شملت خرائط وفهارس وملاحق، وتصنفت حسب الألفابتية، تحت إدارة الدكتور عزيز سوريال.
والآن بات صدور موسوعة قبطية حديثة أملاً وحُلمًا، تنبع ضرورته من أجل تفعيل حِرَاك المعرفة اللاهوتية، وتطوير إمكاناتها الخلّاقة؛ في ظل بيئة حاضنة للمعرفة البحثية، وانتشار مجالات التنشئة اللاهوتية، ووسط اهتمام قبطي شعبي بالجزالة الفكرية. وكذا تطلع الأجيال الجديدة التي ترفّ كالنحل؛ لتجمع الرحيق وتقتني أقراصه العسلية، بالتزامن مع اتساع رقعة المعارف الإنترنتية ومحركات البحث. لتأتي الموسوعة إثراءً لهذه الحالة؛ وتنمية لإنتاج الفكر العلمي العملي المبدع؛ فنتحول بالاجتهاد في عتبته الأولي ، ليصير فلوكاليا لاهوتية معرفية ورعوية ، تدفع ديناميكا كل قبطي لمجاوبة كل من يسأله عن الرجاء الذﻱ فيه ، قلبيا وعقليا ، في عالم فيه ما فيه.
وهي ضرورة مُلِحَّة أيضًا من أجل مكانة كنيستنا اللائقة بين الكنائس. لكن إنجازها لن يأتي إلا بالمكابدة والحَدْس والتحفيز القياسي، حتى يتم لائقًا؛ ويترك بصمته على جبهه الزمان، بدسامة معرفتنا الموروثة طولاً وعرضًا. معرفة تسليم وخبرة وكينونة وحياة. متى نبدأ في خريطتها ومتى تتوفر الإرادة والقرار بعملها؟! آخذين في الاعتبار أن إنجاز موسوعة قبطية جديدة سيضبط حقول الوعي بالمراجعة الجادة للمعرفة في منهجيتها، من أجل تقديم ابستمولوجية Επιστημολογια حول (الذﻱ نعرفه؟ وكيف نعرفه؟ ومعالم خريطته الموسوعية) مساهمة في توحيد المعرفة المجزأة والمقسَّمة، في منظومة معرفية لاهوتية متكاملة، تطوِّع العقول لتكون قابلة لفهم وعيش الخبرة الأرثوذكسية السليمة، وقاية من التهجين والتدجين والاختراق الطائفي، في عصر كله مفارقات وتعقيد وتشابك؛ نحتاج فيه إلى المصادر الصافية الأصيلة التي تربط الفكر بالحياة، والمعرفة بالقلب؛ في روحانية خلّاقة تُمَعْنِن الحياة (تجعل للمعرفة معنًى حياتيًا).