د. أمير فهمى زخارى
فى ذاكرة المصريين مواقف كثيرة عاشوا عليها وكانت نموذجاً فى العطاء والتضحية وإنكار الذات.. هناك من أثرياء مصر من أقام المدارس والمستشفيات ودور العبادة وهناك من وهب حياته فى سبيل موقف أو قضية وهناك أيضا من انسحب من هذا السباق باحثاً عن مصالح خاصة وأشياء رخيصة..
 
لقد قامت مشروعات كثيرة فى مصر بدعم من الأغنياء ورجال الأعمال وما أكثر المجالات التى شهدت انجازات كبيرة من هؤلاء ابتداء بجامعة القاهرة والأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل وقد تبرعت بمجوهراتها وقطعة الأرض التى أقيمت عليها جامعة القاهرة وقدرت المجوهرات يومها بسعر زمانها بمبلغ 70 ألف جنيه وكانت مساحة الأرض 600 فدان وهناك جمعيات كثيرة أقامت المستشفيات وهناك أشخاص أقاموا المدارس والمراكز الطبية ودور المسنين...
 
واليوم أتكلم عن طبيب أيرلندى يسمى د. هاربر (هرمل كما يطلق عليه المصريون ) جاء إلى مصر فى عام 1889 ومعه حلم إنسانى رفيع هو رعاية المصريين الفقراء وأقام هذا الرجل مستشفى صغيرا فى حى مصر القديمة وبعد فترة اكتشف أن فقراء مصر ليسوا فى القاهرة ولكنهم فى ريف مصر واشترى الطبيب الأيرلندى مركباً شراعياً وحمل فيه أدواته العلاجية وأدويته وكان يتوقف فى القرى الفقيرة على ضفاف النيل وينصب خيمة يعالج الفقراء الغلابة ويقدم لهم الأدوية ثم ينتقل بمركبه الشراعى إلى قرية أخرى يعالج مرضاها...
 
 وذات يوم توقف به المركب الصغير فى ترعة الباجورية عند قرية الحامول وبدأ فى علاج المرضى فيها ليكمل رحلة أخرى إلى قرية أخرى من قرى الغلابة فى مصر ولكن كان فى القرية شيخ يسمى بسيونى الصعيدى قدم له قطعة من أرضه وطلب منه أن يشرف على إقامة مستشفى فى محافظة المنوفية ووافق دكتور هرمل وأقام مستشفى هرمل منوف والتى أصبحت الآن من أشهر المستشفيات التى تقدم خدماتها الطبية لأهالى المنوفية وتستقبل يومياً ما بين 100 إلى 500 مريض وبها مجموعة من أكفأ الأطباء المصريين وتتلقى دعماً مالياً من مؤسسات دولية.. 
 
هذه قصة د. هرمل الطبيب الأيرلندى الذى جاء إلى مصر يوماً وقدم حياته وعلمه من أجل فقراء هذا الشعب ولعل هذا ما فعله د. محمد مشالى حين اختار حياً فقيراً فى مدينة طنطا وظل وفيا لهذه الفئة من البشر التى أوصى عليها الخالق سبحانه وتعالى..
 
إن مصر الآن وفى كل زمان فى حاجة إلى من يمد يد العون للفقراء من أبنائها وقد كانت دائماً تحفل بنماذج بشرية رائعة فى السلوك والمواقف وفى محنة كورونا كنا ننتظر الدعم من أثرياء مصر ورجال أعمالها من أجل إنقاذ المرضى الفقراء والمصابين وهناك الملايين الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم وكان ينبغى أن يفتح الأثرياء خزائنهم فى هذه الظروف الصعبة..
والى اللقاء في مقال جديد... تحياتى للجميع..