بقلم: القس افرام هندى
جاء أحد الشيوخ وأوقف الضرب الموجع الذي لحق
بالقديس مقاريوس الكبير وسألهم: إلى متى ستستمر هذه الإهانة؟
كانت إهانتهم وضربهم المبرح للقديس قريبه جداً من أن تودي بحياته، وكان هذا الغضب و الألم الشديد بسبب ابنتهم التي فسدت عفتها!!
ضُرب القديس وشُهر به في الشوارع، وحكموا عليه أن ينفق ويتعهد بالإطعام ويدفع نفقة ولادتها إلى أن يتربى الطفل، ذهب إلى قلايته متوجعًا ومتألمًا، ليس جسديًا فقط.
ففي كثير من الأحيان يكون الألم الجسدي هين.
يري الكثيرون إنه من السهل إن يدافع الإنسان عن نفسه
لماذا لم يدافع عن نفسه ؟!!
هناك فارق بين من يدافع عن نفسه بصدق لأنه مظلوم، وبين من يبرر أخطاءه ببراعة حتى يقنع الآخرين بأنه ضحية. الشخص الذي يدافع عن نفسه وهو مخطئ غالبًا ما يمتلك قدرة على التلاعب بالكلمات أو الاستفادة من الثغرات في المواقف ليلقي باللوم على الآخرين أو يُظهر نفسه بمظهر الضحية. هذا النوع من الدفاع يمكن أن يكون ناتجًا عن عدة عوامل، مثل الخوف من الاعتراف بالخطأ أو الرغبة في الحفاظ على صورة معينة أمام الناس.
من ناحية أخرى، الشخص الذي يدافع عن نفسه لأنه بالفعل مظلوم، ربما يظهر لديه نوع من الصدق والتواضع في حديثه، وغالبًا ما يتجلى في كلماته التوازن والمنطق. هذا الشخص يعتمد على الحقائق والأدلة، وليس على العواطف أو الخطاب المضلل.
المفارقة هنا تكمن في أنه قد يكون من الصعب أحيانًا التمييز بينهما، خاصة عندما يكون الشخص المخطئ ماهرًا في عرض قضيته. هذا يجعلنا ندرك أهمية البحث عن الحقائق والإنصات بعناية قبل اتخاذ الأحكام. يمكننا أن نتعلم من هذه المواقف أهمية الصدق مع الذات والشجاعة في الاعتراف بالخطأ عندما نكون على غير حق، وألا نحاول تبرير أفعالنا على حساب الحقيقة.
اما القديس مقاريوس الكبير فهو حالة استثنائية
كان هناك شيء في داخله يدفعه للعمل والكد أكثر فأكثر، قال لنفسه: ينبغي أن تعمل ليلاً ونهاراً لتوفير قوتك وقوتهم. كد يا مقارة فقد صارت لك امرأة. الآن يا مقارة، وقد وجدت لك امرأة وبنين.
هكذا كان يعمل بيديه في صناعة القفف، وكان يسلّمها لذلك الرجل الذي كان يخدمه ليبيعها، ثم يعطي ثمنها للمرأة
أما المرأة الشقية، فقد وجدت من تلقي عليه الاتهام دون أن يتحرك فيها شيء. رأت ذلك الرجل الذي ضُرب وأُهين وأخذ سيطاً رديئاً بسببها، ماذا يفعل؟ يعمل ليطعمها وينفق عليها. ألم يغير فيها هذا شيئًا طيلة المدة التي قضاها وهو يخدمها ويعولها؟
طالت المدة إلى أن جاءت الساعة الموعودة، تلك المدة التي لم يكف القديس فيها عن عمل الرحمة معها بالرغم من كل ذلك.
مكثت الشقية أيامًا كثيرة وهي معذبة، ولم تستطع إن تلد. تكلمت أخيرًا وهي على حافة الموت. وعندما سألها الناس بدهشة واستغراب: ما هذا؟ وما ذنبك؟ اعترفت بأنها ظلمت القديس.
علم الخادم فذهب مسرعاً و مسرواً ليخبر القديس، وكأنه يقول في نفسه :
لقد أخطأت، شككت في لحظة ضعف أنا أيضاً.
أخبر القديس أن الجميع يرغب في الاعتذار وطلب المغفرة والصفح منه
وماذا فعل القديس ؟
هرب!!
هرب!!من الاسقيط إلي جبل النطرون
"إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. (1 كو 4: 5).