القمص اثناسيوس فهمي جورج
 في مثل هذا اليوم استودعنا  ابينا الراهب سمعان انبا بولا الي جوف القبر ، ونثرنا عليه الرياحين والورود  ، وهناك سكبنا  العطور ، علي ذاك الذي كان اصغر راهب في ديره  ، وأول من سبق في العبور الابدي لينال الجعالة الحسنة بعد حياة صبر القديسين ، وبعد جهاد وعبادة حسنة   ولم يكن العالم مستحقا له  ، فجاز سريعا وقصر الله عنه كي يستريح من الام برية هذا العالم  ، صائرا كطيف النسيم الذي يدخل من نافذة ويعبر من الاخري ،
 
مجتازا ليتكلل بعد تجربة مرض السرطان التي قبلها بشكر وارتفاع . ناظرا الي مالايري فكان مثلا يقتدي بلا افتعال ، كمن يتسلق الجبال ويصعد من قمة الي قمة  ، ويرتفع  المصاعد ، حيث صارت  محنة مرضه سلم مجده الروحي  ،التي رقته وجذبته الي معاينات المعونة السماوية  ، فطردت عنه جيوش الشياطين مثل الدخان  ،  وقد استفاد من مقاصد الله  لتكون اواخره افضل من اوائله بالتنقية  والاحتراس والاحتمال  والزهد المطلق والنفس الملتحفة بسقي الروح المعزي ، زاهدا فيما للناس وفي اباطيل الدنيا كلها  ، لانها كانت اقل من ان تغريه  ، صائرا  اعلي  بما لايقاس من اهتمامات الذات والتراب والمقتنيات  ، مبتعدا عن  كل ما للمال من سطوة ، بوعي الضمير الرسولي العفيف  ، والذي صار مؤشرا لانصهار نفسه وانسكابها  محتفظا بكل ماهو طاهر  وصيته حسن في خفاء ، دون مراوغة او افتعال ... واثقا في ارادة الله الخيرة  متهيئا للرحيل في الزمان استعدادا للرحيل في المكان   ، شاعرا ان الوعود التي تمسك بها بدات في التحقق ، بل واصبحت واقعا بانحلال جسده المتصدع 
 
، وانسحاب الحياة منه ، بينما هو في سلام متجها نحو عالمه المنتظر  ، حسب الخريطة التي رسمتها له يد القدير  ، ولا ارادة عنده فوق ارادة خالقه ، ولامشيئة عنده افضل من مشيئة الهنا  ، فصار دائم التحليق بالروح منتظرا خلع خيمة هذا الجسد الضعيف وانطلاق الروح  ....لقد بدا عليه انه قد حسم اختياره وقبل برضي تقديم ما لايمكنه الاحتفاظ به ( وديعة حياته ) كي يربح يقين ابديته ، وسط معاناة العلاج الكيماوي  والاوجاع ماظهر منها للعيان وماخفي ، فلولا نعمة الله ومعونته ما امكنه احتمال التدهور السريع والمريع في زمن قياسي  ،
 
خدمه فيه ابونا صليب النقلوني بكل امانه ( انبا صليب اسقف ميت غمر ) ،   وقد حظيت بزملاته في الخدمة بشمال انجلترا  زمانا رايته فيه  من الذين لايمجدون انفسهم باسم المسيح ، بل من حاملي الاثمار  . الذين لم يغتروا بالاسماء  والثياب والتيجان والانجازات  ، لان بهرجها لن يوصل صاحبه ،  انني اطلب لنفسه التقية  نياحا حيث مجد الهنا ولاتقف امامه خليقة صامتة وليذكرنا في كورة الاحياء .، مع طغمات الممجدين الوارثين للرحمة ولفرح الدهر الاتي .