إعداد / ماجد كامل 
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 16 مسري الموافق 22 اغسطس بتذكار اعلان  إصعاد  جسد السيدة العذراء إلي السماء . ويعتز الأقباط كثيرا بهذا العيد ، فهو يأتي بعد صوم جميل يحبه الأقباط كثيرا ويقبلون عليه بشغف  ، وهو صوم السيدة العذراء الذي يمتد لمدة 15 يوما من 1 مسري إلي 16 مسري ، ويذكر السنكسار القبطي عن ذلك اليوم أنه بينما كانت السيدة العذراء ملازمة للصلاة في القبر المقدس ، وتنتظر اليوم الذي تنطلق فيه  من رباطات هذا الجسد ، ولما دنا الوقت حضر التلاميذ وعذاري جبل الزيتون ، وكانت السيدة مضطجعة علي سريرها .
 
وإذ بالسيد المسيح قد حضر إليها بنفسه وحوله ألوف وألوف من الملائكة ، فسرت العذراء بذلك ومدت يدها وباركت التلاميذ والعذاري ثم أسلمت روحها الطاهرة بيد أبنها ، فأصعدوها روحها إلي المساكن العلوية ، أما الجسد الطاهر فكفنوه وحملوه إلي الجثمانية ، وبينما هم ذاهبون به خرج بعض اليهود وأعترضوا طريق النعش في محاولة منهم لمنع دفنه ، وأمسك احدهم بالتابوت محاولا إسقاطه ، فانفصلت يداه عن جسد وتعلقت بالتابوت ، وظلت معلقة حتي صرخ وطلب الرحمة ، وبصلوات التلاميذ القديسين عادت يداه إلي جسده كما كانتا . ولم يكن توما الرسول حاضرا لحظة النياحة ، واتفق حضوره عند دفنها فشاهد الملائكة وهي تحمل جسدها الطاهر ، وسمع صوت الملائكة وهي تقول له " أسرع  وقبل جسد الطاهرة القديسة مريم ، فأسرع وقبله ،  وعند حضوره  إلي التلاميذ أعلموه بنياحتها ، فقال " أنا لا أصدق حتي  أعاين جسدها فأنتم تعرفون كيف كيف أني شككت في قيامة  السيد المسيح " ، فمضوا معه إلي القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الجميع وتعجبوا وظنوا أن اليهود فتحوا القبر وقاموا بسرقة الجسد الطاهر ، فعرفهم توما الرسول كيف  أنه شاهد الجسد الطاهر مع الملائكة صاعدين به ، وقال لهم الروح القدس "إن الرب لم يشأ أن يبقي جسدها في الأرض " .
 
وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يريها لهم في الجسد مرة أخري ، فكانوا منتظرينت إتمام ذلك الوعد الصادق حتي اليوم السادس عشر من شهر مسري حيث تم الوعد لهم برؤيتها وهي جالسة عن يمين ابنها وإلهها وحولها طغمات الملائكة وتمت بذلك نبوة داود القائلة " قامت الملكة عن يمين الملك " ( السنكسوار القبطي تحت يوم 16 مسري ) . 
 
ويذكر لنا القمص تادرس يعقوب ملطي  في كتابه " القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي "  أنه يوجد مقال للبابا ثيؤدوسيوس الإسكندري (  536- 567 م ) بابا الكنيسة القبطية رقم 33 ، مكتوب بالقبطية البحيرية  عن  " نياحة مريم " ، وتاريخ المقالة يرحع إلي نحو عام 567م ، حيث يقول فيها أن العذراء عندما لمحت حزن التلاميذ والرسل علي نياحتها ،  أنها قالت لهم " أليس مكتوب أن كل جسد يلزم أن يذوق الموت ، هكذا يليق بي أن  أعود إلي الأرض ككل سكان الأرض  ، ويذكر نص المقالة  ، أن حوار دار بين السيدة العذراء والسيد المسيح انه قال لها " كنت أود ألا تذوقي الموت ، بل تعبرين إلي السماوات مثل  أخنوخ وإيليا ، لكن حتي هذين يلزمهما أن يذوقا الموت ، فلو حققت هذا معك لظن الأشرار أنك مجرد قوة بلا جسد حقيقي  نزلت من المساء ، وأن ما تحقق من تدبير التجسد لم يكن إلا مظهرا ( القمص تادرس يعقوب ملطي :- القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي ،  صفحة 81  ) . 
 
ويوجد ميمر إصعاد جسد العذراء مريم للقديس كيرلس الكبير ( 412- 444 م ) بابا الكنيسة القبطية رقم 24 ،  جاء فيه من ضمن ما جاء "  أيها الأخوة الأحباء أعيروني أذانا صاغية وقلوبا واعية كي  أقص عليكم أنا الحقير كيرلس  ما وجدته مكتوبا بأيدي سادتنا الآباء الرسل الأطهار معززا بشهادة القديس يوحنا البتول حبيب ربنا يسوع المسيح بخصوص جسد السيدة العذراء في مثل هذا اليوم الذي هو السادس عشر من شهر مسري ووجود تحت  شجرة الحياة التي بسطت أغصانها عليه بأمر الثالوث القدوس الإله الواحد الذي ينبغي له السجود والعظمة  إلي دهر الداهرين وتفصيل ذلك أنه لما كان بعد نياح السيدة العذراء في اليوم الحادي والعشرين من شهر طوبة حيث انتشرت رائحة زكية لم يشم مثلها من قبل  وصوت من السماء يقول طوباك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك وبعد أن دفنت  داخل جثيماني بحقل يهوشافاط بإرشاد الروح القدس ، وبواسطة الرسل الأطهار الذين أستمروا يقدمون الصلوات من حين لآخر أمام قبرها الطاهر حتي السادس عشر من مسري فأشرق عليهم نور سماوي في الوقت الذي كانوا فيه يسبحون ويرتلون  أمام  باب المغارة الموضوع فيها جسدها الطاهر ، سمعوا أصوات تهليل وتسابيح ونغمات  ملائكية ولم يعلموا سر ذلك ، فأن الإله له  المجد أراد أن يرفع جسد والدته علي  أجنحة  ملائكته النورانية فأرسل طغمة منهم لإتمام ذلك حسب مشيئته ، وكان توما الرسول ببلاد الهند ولم يحضر اليوم الذي تنيحت فيه السيدة العذراء ..... أراد الله أن يظهر له هذا السر العظيم فأرسل يحابة نورانية وأمره بواسطة الروح القدس ان يعلوها قاصدا موضع جيثماني بحقل يهوشافاط  حيث هناك  أخوته الرسل وبينما هو علي السحابة إذ رأي طغمة الملائكة تحمل جسد السيدة العذراء ، فإستفسر عن حقيقة الحال فقيل له أن هذا هو جسد السيدة العذراء مرتمريم التي تنيحت وأمرنا السيد أن نحمله ونصعد به إلي فردوس النعيم ففرح كثيرا وسجد لها وقبل جسدها وطوبها ، ثم انزلته السحابة عند الرسل فسلم علي  أخوته وقالوا له ما الذي أخرك عن الحضور يوم نياحة العذراء لتري العجائب التي ظهرت علي يديها ، فأجابهم أن الروح القدس اعلمني كل شيء في حينه واني كنت مشتغلا وقتها في عماد  أكلوديا ابنة ملك الهند وها قد اتيت الآن ولي رغبة شديدة  في أن أنظر جسد سيدتي  ......... وعندما دخلوا إلي داخل القبر ولم يجدوا جسد  العذراء انزعجوا كثيرا ، فقال لهم توما " لا تحزنوا يا أخوتي لأني رأيت اليوم جسد  السيدة العذراء محمولا علي أجنحة الملائكة وقت أن كنت آتيا علي السحابة فطلبت إليهم  أن يخبروني فأجابوني أن هذا جسد السيدة العذراء نحمله إلي الفردوس بامر السيد المسيح ، فقبلته وتباركت منه فتعجبوا جدا لأجل ذلك ومجدوا الله ( موقع القس انطونيوس فهمي :- ميمر إصعاد جسد القديسة مريم للقديس كيرلس السكندري 16 مسري ) . 
 
وفي ميمر شهير لمار يعقوب السروجي (    449- 521 م    ) حول رقاد مريم البتول  قال فيها " أم يسوع المسيح أتي إليها الموت  فذاقت كأسه  ، أمر الرب قوات العلي الرفيعة وفيالق النور ، فنزل الملائكة أجواقا  أجواقا ورتلو بتسابيح تهاليهم بصوت عال ، كل الأبرار من جيل الأجيال توافدوا واجتمعوا  ...... يوحنا كشاهد للحق اقترب وكفن الجسد الممجد الذي للطوباو ية  ، جاء الرعاة والرعية إلي قمة الجبل والكهنة  ..... أشرق نور علي المكان الذي اجتمع فيه الرجال والحراس لتحضير الكلية النقاوة للدفن .... يوحنا التلميذ البتول اقترب منها واحتضن الأم الطاهرة التي أوكلت إليه من قبل مخلصنا ...... أمتلأت السماء والهواء من تسبيح السماويين الذين أتوا ونزلوا إلي موضع الأرض .... امتلا الجو برائحة بخور عطرة من مباخر الملائكة الذين نزلوا  ...... ابتدأوا بالتسبييح حين وضع جسد العذراء في القبر . كل الأشجار بأثمارها ونتاجها اكتست بالندي لتعبر عن فرحتها . كل الزهور الجميلة   بأنواعها أرسلت عبيبرها الطيب مثل الطيب الذي يرسل أريجه ... في هذا اليوم المياه والأسماك وكل الزواحف التي في البحار تنبهت وتحركت بالتسيح ، في هذا اليوم يفرح آدم وحواء امرأته ،لأن أبنتهما تسكن في المكان الذي اجتمعا فيه . في هذا اليوم يفرح نوح وإبراهيم الباران لأن أبنتهما زارتهما في موضع سكناهما . في هذا اليوم يفرح يعقوب الرجل المسن المكرم ، لأن الأبنة التي خرجت من صلبه قد دعته للحياة ..... في هذا اليوم رفع كل الأنبياء رؤوسهم من قبورهم ، لأنهم رأوا النور الذي أشرق عليهم  ، رأوا الموت يقلق ويهرب من داخلهم ، وأبواب السماء انفتحت مرة أخري ( لقراءة  القصيدة بالكامل يمكن الرجوع إلي الخور أسقف بولس الفغالي :- مريم والدة الله ،  الميمر السادس ، الصفحات من 137- 150 ) .
ويذكر المتنيح الأنبا غريغوريوس في مقالة له عن "عيد صعود جسد العذراء "  أن توما الرسول عندما شاهد جسد العذراء صاعدا إلي السماء ،  سمع أحد الملائكة يناديه قائلا "ما بالك هكذا منذهلا مبهوتا مبهورا ، تقدم وتبارك من جسد العذراء البتول ، فأسرعت ولثمت جسد العذراء وتباركت منه ، ونلت كرامة جزيلة  بأن حملت معي زنار العذراء التي كانت تتحزم به وتلم به ثوبها ( نيافة الأنبا غريغوريوس :- العذراء مريم ، حياتها ،  ألقابها ، فضائلها ، تكريمها ، طهورها ، معجزاتها ، جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ، صفحة 109 ) . 
 
وعن هذا  الزنار وتاريخه ،  يذكر لنا الأنبا غريغوريوس   أنه محفوظ حاليا في حمص بسوريا ، وتعرف بكنيسة الزنار ، وهو حزام مشغول من أسلاك  دقيقة طولها 74 سنتيمتر ، وعرضه 5 سنتميتر ، وسمكه ثلاث مليمترات ، ولقد ظل مدة طويلة  مختفيا ، حتي عثر عليه البطريك المتنيح مار آفرام الأول  (1933- 1957 ) بطريرك الكنيسة السريانية رقم 120 .( صاحب موسوعة اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية ، وهي موسوعة ضخمة أرجو أن تتاح لي الفرصة للكتابة عنها )  . ويذكر نيافته أنه زار هذه الكنيسة بنفسه وشاهد الزنار وكان ذلك في  أغسطس 1969 . ( نيافة الأنبا غريغوريوس :- مرجع سبق ذكره ، صفحة 110 ) .
 
ويذكر لنا القمص يوسف الحومي في كتابه عن "زنار العذراء مريم  :- تاريخه . قصة اكتشافه . أماكن وجوده " . أن الزنار تنقل بين عدة بلدان ما بين الهند والرها ... الخ . كما تم تقسيمه  بين عدة كنائس ، حتي أستقر جزء منه في كنيسة حمص بسوريا ن وكان ذلك بتاريخ 476م ( القمص يوسف الحومي :- مرجع  سبق ذكره ، صفحة 60 ) . وأصبحت منذ ذلك التاريخ تعرف بكنيسة " الزنار أو كنيسة أم الزنار " .   ونظرا لتعرض الكنيسة لعوامل اضطهاد كثيرة ، لجأ الآباء إلي إخفاء الزنار حتي نسي  أمره وفقد تماما ،   حتي جاء عهد البطريرك مار أغناطيوس أفرام الأول  ، وأتخذ هذه الكنيسة مقرا له ، أهتم بجرد وفحص كل المخطوطات التي تحتفظ بها الكنيسة  ، فوجد مخطوطا يتضمن قصصا ومواعظ  كثيرة ،  منها مخطوط يذكر فيه مكان وجود الزنار داخل الكنيسة ، فأهتم بالحفر في هذا المكان ، حتي جاء تاريخ 20 يونية 1953 ، فوجد جرنا قدما  مغطي بقطعة نحاسية سميكة ، وعندما فتحه وجد الزنار  ملفوفا علي بعضه  .  ومن أجل مزيد من الدراسة والبحث ، بلغت الكنيسة هيئة الآثار السورية ، فأوفدت بدورها لجنة مكونة من مجموعة  من الأثريين ، أكدت اللجنة صحة  الزنار ،  وأنه يرجع للقرن الأول الميلادي  ( لمزيد من الشرح والتفصيل المدعم بالصور راجع :- القمص يوسف الحومي ، نفس المرجع السابق ، الصفحات من  59- 77 ) . 
 
ولقد تعرضت سوريا للارهاب الغاشم علي يد "داعش "  ، وتعرضت الكنيسة للقصف والدمار الجزئي  ، ترتب عليه إغلاق الكنيسة مؤقتا ، وبعد اندحار قوات داعش عن المنطقة ،  قام البطريك مار اغناطيوس أفرام الثاني  بطريرك الكنيسة السريانية الحالي  بإعادة افتتاح الكنيسة ، وكان ذلك في  15 أغسطس 2022 ،  حيث  صرح قداسته لأحدي وكالات الأنباء " اليوم نشعر بفرح كبير بوجودنا في حمص مدينة " ام الزنار " التي توجد فيها كنيسة السيدة العذراء أم الزنار وأقدم كنيسة في سوريا ( وكالة سبوتنك :- افتتاح مقام زنار السيدة العذراء في حمص بعد إغلاق قسري طوال سنوات الحرب ، 15 اغسطس 2022 ) ز 
 
بعض مصادر ومراجع المقالة :- 
1- السنكسار القبطي يوم 16 مسري . 
2- القمص تادرس يعقوب ملطي :- القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي ، كنيسة الشهيد مارجرجس سبورتنج  . الطبعة الأولي ، نوفمبر  1978 . 
3- نيافة الأنبا غريغوريوس :- العذراء مريم حياتها ، رموزها ،  ألقابها ، فضائلها ، تكريمها ، ظهورها ، ومعجزاتها ، موسوعة الأنبا غريغوريوس ، المجلد رقم 20 ، جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي ، 2007 . 
4- موقع القس انطونيوس فهمي :- ميمر إصعاد جسد العذراء مريم للقديس كيرلس السكندري 16 مسري . 
5- بولس الفغالي :-  يعقوب السروجي مريم والدة الله ، الربطة الكتابية ، سلسلة ينابيع الإيمان ( 28 )  الطبعة الاولي ، 2015 ،   الميمر السادس ، الصفحات من 137- 150.
6- القمص يوسف الحومي :- زنار العذراء مريم تاريخه . قصة اكتشافه .  أماكن وجوده "  الطبعة الأولي ، 1996 .
7- وكالة سبوتنك :- افتتاح مقام السيدة العذراء في حمص  بعد إغلاق  قسري طوال سنوات الحرب  ، 15 اغسطس 2022 .