طارق الشناوى
قال لى قرأت حديثًا شريفًا معناه أنه لو للإنسان صديق فى الجنة فسوف يشفع له عند الله ويدخله معه، والضيف أحمد أراه دائمًا مع الأبرار والصديقين، وسوف يشفع لى لنكمل فى الآخرة ما بدأناه فى الدنيا، قال لى هذا الرأى قبل رحيل جورج سيدهم، وأتصور طبقًا لما أعرفه عن سمير، أن الضيف وغانم سوف يكتملان بوجود جورج الضلع الثالث، كان مسرح الثلاثى إحدى قلاع الإبداع المسرحى منذ الستينيات، حتى لو كان للنقاد فى ذلك الزمن رأى آخر، إلا أننا الآن عندما نطل على هذا الثلاثى ندرك معنى الكوميديا، كان مسرح الثلاثى هو رأس الحربة فى إحراز أعلى معدلات الضحك.
سمير نموذج للفنان التلقائى، أراه أكثر الفنانين فى العالم كله فطرية، قدم عشرات من المسرحيات التى اخترقت حاجز الزمن، بينما فى السينما تضاءل الإنجاز، العلاقة من خلال وسيط الكاميرا تختلف تمامًا عن العلاقة المباشرة مع الجمهور، على خشبة المسرح، له هذا الحضور السحرى، لو كان سمير التقى بمخرج سينمائى يستطيع توظيف لحظات إبداعه لأصبح لدينا رصيد ضخم من الأعمال الفنية، هذا المخرج لم يلتقه سينمائيًا، مثلما حدث مع المخرج الكبير فهمى عبدالحميد فى التليفزيون، وقدما معًا فوازير (فطوطة) الذى لايزال يتنفس إبداعًا حتى الآن.
وفى آخر دورة لملتقى القاهرة الدولى للكاريكاتير فرض سمير غانم حضوره على الفنانين العالميين، حتى الذين لم يشاهدوا أعماله الفنية، ملامحه (الأيقونية) حركت إبداعهم لرسم ملامح الشخصية، ما الذى دفع كل هؤلاء ليحيلوا سمير إلى عنوان للكوميديا، سوى هذا التأثير الروحى الذى لايزال قادرًا على اختراق مشاعرنا.
ظل سمير حتى اللحظة الأخيرة وهو يحمل بداخله فيضًا من البهجة لكل من حوله، فهو حامل مفتاح السعادة.
من حسن حظى أنى وثقت حياته فى كتاب عند تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى قبل نحو أربع سنوات، سمير تلقائى فى كل شىء، عندما يتحدث أو يمثل، يمنح ضوءًا أخضر لكل مشاعره حتى تنطلق، لا يضع أبدًا خطوطًا حمراء، وليست لديه (فلاتر)، كل شىء يعنُّ له يعلنه، ولهذا على من يحاوره أن يضع من عنده تلك المحاذير، ليست بطولة مثلًا ولا يعد سبقًا صحفيًا أن نكتب كل ما سجلناه ووثقناه بحجة أن المصدر موافق على النشر، ولم يطلب سمير حتى مراجعة إجاباته، ولكن بعض تلك الإجابات وجدت فيها ما قد يُساء تفسيره، سمير يتحدث بحسن نية، ولكن ربما من يقرأ ليست لديه تلك النية الحسنة.
سمير يتقبل النقد بصدر رحب، ولا يتبقى بداخله شىء سوى الحب، أقصى ما يمكن أن يفعله أن يكتب رساله مكونة من ستة حروف (ميرسيه)، وبعد زمن ينسى حتى أنه كتب (ميرسيه).
ظل سمير يشكل حالة جاذبة فى العالم العربى، برغم تضاؤل حضوره السينمائى، فى السنوات الأخيرة قبل رحيله، بعد كثرة شائعات رحيله، كثيرًا ما كنت أتلقى سؤالًا من مواطنين فى أى شارع عربى يريدون الاطمئنان على سمير.
لم يشعر أبدًا بالغيرة من أحد، وكان يعترف بنجاح وجماهيرية وذكاء عادل إمام، ويرى أن مكانته الاستثنائية يستحقها عن جدارة، فقط كان لديه عتاب باح لى به، أنه كان يتمنى أن يجتمعا معًا فى عرض مسرحى أشبه بمباراة الاعتزال، وتحمس عادل نصف حماس، ولم يَرَ المشروع النور، وكانت لديه رغبة أخرى أن يتشاركا فى بطولة فيلم، وعندما توقف عادل عن السينما واتجه للتليفزيون تغير الحلم إلى الشاشة الصغيرة، وأكثر من مرة يعرض عليه عادل دورًا ويعتذر لأنه يحلم ببطولة موازية، وعندما أعاد مجددًا ترشيحه فى مسلسل (عوالم خفية) ضيف شرف، أراد فى البداية أن يعتذر، إلا أنه كان يخشى أن يصبح هذا لقاءه الأخير مع عادل، لهذا وافق، وارتجل الفنانان الكبيران هذا المشهد معًا.
هل أدرك سمير غانم أنه أصبح أيقونة يرددها الفنانون التشكيليون بكل (الريشات)؟ لا أعتقد، رغم كل النجاح الذى حققه فهو لم يستشعر أبدًا أنه سيخترق حواجز اللغة لتصبح ملامحه أيقونة للضحك فى العالم، إنه رأى الزمن فى سمير غانم وهو أصدق رأى!!.
نقلا عن المصرى اليوم