حمدى رزق
قلبى مع المهندس «محمود طاهر»، وأشاطره حزنه، ويصبّره على فراق ولده «حسن»، ترك فراغًا هائلًا، طاهر اليوم حزين، وكل صباح سينتظر إطلالته الصبوح، لكنه رحل فى صباح حزين، يحزن طاهر، ويتضاعف حزنه، بات قلبه مترعًا بالأحزان، لسان حاله قلبى اليوم سقيم.
الفراق كالعين الجارية، التى بعدما اخضرّ محيطها نضبت، قسوة الفراق تصادر متعة الحياة، أورثه رحيل حسن حزنًا عميقًا، لا يصدق أنه تلقى العزاء فى منيته وقرة عينه، كان يقرأ سطور نعيه الذى كتبه بيده، ومشاطرات الأحباء المحزونين لحزنه فى دهشة واستغراب، أرحل حسن؟، أغادر الحياة؟، لن يراه مجددًا.. سبحان من له الدوام.
فقد الواد، ياااه على فقد الضنا، والضنا غالى، فقد المهندس «محمود طاهر» لابنه، فقد حزين، يقطع نياط القلب، المهندس طاهر فقد روحه التى تسعده وتبهج حياته، سبحان من له الدوام.
لم ألتقيه، المرحوم حسن، ولكن حديث الناس عنه يزيد من ألم الفقد، والده قلبه مفطور، رحيل الولد والسند والحبيب، يحش الوسط، يكسر الظهر، سبحان من قواه على الوقوف ساعات يأخذ عزاء ابنه، وكل من يعزيه يؤلمه بكلمات، جمرات فى دمه.
أحببت حسن من حكى المحبين لوالده، وفى عينيه (عينى المهندس طاهر) شاهدت صورة لوالد عطوف، حزين، صابر، تعلمت منه كيف يكون الصبر، والجلد، وكيف يحتسب الصابرون، حكمتك يارب، بكيته على البعد وأنا ألمس بكاء والده، نعيته وأنا أخشى على الوالد من وطأة الحزن، يارب خفف عن عبدك، وطبطب على قلبه، وارزقه صبرًا، واحتمالًا، وأعنه على البلاء، فليس أقصى من الابتلاء فى الولد.
نعيش ونحيا على أمل أن يوسدنا الولد التراب بأيديه راحة، نتمناها قبله، ليس بعده، نتمناه فى حياته، لكن مشيئتك سبحانك، تقدر الأقدار، «فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون».
وإذا جاء أجلهم، يا من فقدت الولد، عظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقك الشكر.. عظم الله أجرك وجبر الله كسرك وعوضك خيرى الدنيا والآخرة عمن فقدت.
فقد الأولاد، فلذات الأكباد، ثمرات القلوب، مِن أعظم المصائب، التى تصيب الإنسان فى حياته، هى والله نار فى الفؤاد، وحرقة فى الأكباد، لهذا كان ثواب الصبر على فقدهم عظيمًا، وأجره فى الميزان ثقيلًا.
يقول عليه الصلاة والسلام: (خمس ما أثقلهن فى الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه).
عدت من مسجد المشير محزونًا، عدت كعادتى إلى كتاب «برد الأكباد عند فقد الأولاد».. لمؤلفه «محمد بن عبد الله بن ناصر الدين الدمشقى»، لألتمس طبابة لقلب المكلوم بفقد ولده، فوقعت على الكثير من الأحاديث عن الصبر على الابتلاء، وفقد الابن من الابتلاء العظيم ما يغفر الذنوب جميعًا.
ولكنى توقفت مليًا أمام دموع المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وهو يودع ولده إبراهيم، وفى الرواية يقول «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون»، ومثله نقول ما يرضى ربنا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نقلا عن المصرى اليوم