بقلم:  رفعت عوض الله

ماذا يريد الاخوان المسلمون في 25يناير 2011 احتشدت الجماهير المصرية في ميدان التحرير ضد مبارك ونظامه القمعي البوليسي وتوالي الاحتشاد الجماهيري الهائل والذي امامه لم يكن امام الرئيس المستبد من خيار سوي ترك السلطة وها هو اليوم في السجن بعد حكم مستبد دام ثلاثين عاما . واليوم تحتشد الجماهير والقوي العلمانية والثورية ضد الرئيس مرسي الا انه لم يلن ولم يستجب ولم يسقط رغم توالي التظاهر والاحتشاد ضده وفي ظني ان هذا راجع الي ان الرئيس الحالي وراءه جماعة قوية التنظيم والنظام بل استطيع ان اقول وانا مطمئن انها الحاكم الفعلي لمصر وما الرئيس الا واجهه فقط.

هذه الجماعة جماعة الاخوان المسلمين تنظيم اصولي والذي يميز الاصوليين هو ايمانهم اللاعقلاني بان الحق المطلق في حوزتهم وهذا الاعتقاد الجازم يعني ان كل ما عداهم باطل بطلانا مطلقا . وامتلاك الحق المطلق يعطي الحق لمن يملكونه في قيادة الاخرين الضالين وفرض ما يرونه عليهم والعمل علي تحويلهم من معسكر الضلال والباطل الي معسكر الحق المطلق الذي يمرح فيه الاصوليون .

وهذا يعني ايضا انه لا توجد في ادبيات الاصوليين احترام للحرية والتعددية والاختلاف فلا حرية امام الحق ولكن اذعان وطاعة ولا اختلاف مع الحق ولا تعدد في الرؤي فالحق واحد .

من هنا القهر والاجبار امر مشروع واذا عاند المختلفون الرافضون للحق فالقتل واهدار حق الحياة امر مشروع . هذه هي عقيدة كل الاصوليين عبر التاريخ ، الاخوان المسلمون جماعة اصولية بهذا المعني فماذا يريدون؟ هذه الجماعة تاسست في سنة 1928 بعد الغاء الخلافة الاسلامية العثمانية علي يد مصطفي كمال اتاتورك 1924 وكان ايمان هذه الجماعة الوليدة انذاك ان سبب ضعف المسلمين وتخلفهم وتمكن الاستعمار الغربي من بلادهم وسقوط جامعتهم الاسلامية يعود الي ضعف ارتباط المسلمين بتعاليم ومبادئ الاسلام وعدم الحرص علي اداء فروضه وتكاليفه وعدم العيش وفقا لما يقول به الكتاب والسنة ، وتجلي ضعف المسلمين بقوة في سقوط الخلافة التي كانت رمزا للجامعة والوحدة الاسلامية .

لذا من وجهة نظر الاخوان المسلمين طريق النهضة والصعود يبدا من العودة الي الاسلام وليس مواكبة العصر في مساراته العلمية والانسانية ، وكانت دائما الخلافة الاسلامية وامر استعادتها حلما كبيرا استحوذ علي عقول وقلوب الاخوان . الخلافة الاسلامية نظام حكم يعود الي العصور الوسطي ويعكس فكر وروح تلك العصور. الخليفة لم يكن مجرد حاكم دنيوي اذ انه خليفة لرسول الاسلام . والرسول كان ذا سلطان روحي بوصفه مبشرا بالاسلام ولما اسس اول دولة اسلامية في المدينة بعد الهجرة اصبح حاكما سياسيا الي جانب سلطانه الروحي علي المسلمين وهكذا اجتمع في شخص الرسول السلطان الروحي الديني والسلطان السياسي الدنيوي .

ورث الخلفاء السلطان الديني والدنيوي عن الرسول فهم مسئولون وحراس للعقيدة وقائمون علي تطبيقها والحكم بما فيها فهم امراء المؤمنين الي جانب تصريف امور الدنيا والسياسة . واذا كان الخلفاء خلفاء لرسول الله فان الخروج عليهم وعصيانهم لا يجوز اذ انه يتعدي العصيان الي الكفر . وهذا يعني ان سلطان الخليفة سلطان مطلق ولا راد لاوامره واحكامه . وهذا يعني بدوره ان العلاقة بينه وبين الرعية هي علاقة السلطان المطلق والطاعة المطلقة .

في دولة الخلافة التي امتدت عبر اقطار وقارات لا ولاء ولا انتماء للوطن الذي نعيش علي ارضه ولكن الانتماء والولاء للاسلام الذي ندين به والذي جعلنا امة واحدة عابرة للاوطان والبلدان ، والقوة والمنعة والمجد في وحدة المسلمين تحت راية الخلافة في مقابل العالم الذي لا يدين بالاسلام . وهنا المواجهة بين المسلمين المتكتلين تحت راية الخلافة الجامعة الاسلامية وغير المسلمين في سائر البلدان والدول . وبعد.. ماذا نفهم من هذا الطرح ؟ اقول نفهم ان فكر وفلسفة وعقيدة الاخوان المسلمين هو احياء لمفاهيم وافكار نشأت في ظروف العصور الوسطي وليس فيها من العصر الحديث وانجازاته شيئ البته . اذن فهو فكر يتنكر للعصر ولايؤمن بشيئ من افكاره وعلي رأسها حقوق الانسان ومفهوم المواطنة والديمقراطية .

في العصور الوسطي كان المحكومون رعية وليسوا مواطنين والرعية لا حقوق لها الا ما يتفضل به عليها الراعي الحاكم سواء أكان ملكا ام امبراطورا ام خليفة . ورضا الحاكم مشروط بطاعة الرعية وتمجيدها للحاكم وتنقسم الرعية المحكومة الي رعية تدين بدين الدولة الرسمي ، ومثالها المسلمون السنة في دولة الخلافة السنية ورعية تدين بدين الدولة الرسمي ولكن علي مذهب اخر ومثالها المسلمون الشيعة وفريق ثالث من الرعية وهم غير المسلمين اجمالا ومثالهم المسيحيون واليهود . وكان من المنطقي ان تحظي الرعية التي علي دين ومذهب الدولة بامتيازات ومكانة لا ينعم بها اولئك الذين يدينون بالاسلام ولكنهم علي مذهب اخر لذا عاملت دولة الخلافة السنية الشيعة معاملة فيها تمييز ضدهم بينما تعرض غير المسلمين لالوان من التهميش والتضييق بل والاضطهاد وهذا راجع الي ان مفهوم المواطنة وحقوق المواطنين لم يكن له وجود في ذلك الوقت وكان معيار التقييم هو الاشتراك في الدين وعدمه وهذا يعني ان الحقوق للمسلم في دولة الاسلام وللمسيحي في الدولة المسيحية . ولان مفهوم المواطنة كان غائبا فلم يكن هناك وجود لمفهوم الديمقراطية والمشاركة .

اذن الاخوان المسلمون ينشدون دولة الخلافة او الجامعة الاسلامية ويقرون بمفهوم الرعية وهذا يعني ان المحكومين لا حقوق لهم الا لكونهم رعايا مسلمين ولا يعترفون بالمواطنة ولا حقوق الانسان وبالتالي ينكرون الديمقراطية . فاذا ما اتبعوا آليات الديمقراطية للوصول للحكم فبمجرد ما يصلون يركلون سلم الديمقراطية الذي ارتقوه لكي يظلوا في الحكم ابدا فليس لديهم تداول للسلطة. وماذا يريدون من بقاءهم في الحكم ؟ يريدون تحقيق مشروعهم الاسلامي الرامي الي اسلمة الدولة فلن ينهض المسلمون الا بان يصيروا اكثر اسلاما واقوي ايمانا واشد ارتباطا بالكتاب والسنة و اقرب الي الشريعة وابعد عن العصر وافكاره وبدعه ، وهذا يتم من خلال التحكم في كل مفاصل الدولة والهيمنة علي كل اجهزتها واضفاء طابع الاسلمة عليها فتصير ذات لون واحد وتوجه واحد وفكر واحد . وبذا تصبح الدولة اسلامية قلبا وقالبا ونري طابعها الاسلامي في سياستها واقتصادها وفنونها وادابها ويختفي فيها كل تعدد وتنوع واختلاف ،فكل هذا غير مسموح في دولة الاسلام ذات اللون الواحد .

واذا رفض البعض هذا التوجه فالقهر والاجبار الوسيلة المثلي لجعلهم يسيرون في طابور القطيع الواحد. فكرة الوطن والولاء له من قبل من يعيشون علي ا رضه فكرة مرفوضة لانهم يؤمنون بالاممية او الجامعة او الخلافة الاسلامية ، وهذه تتعارض مع مفهوم الدولة القومية والوطن. وهنا يتحول الولاء الي الدين والامة الاسلامية ويصير المسلم الاجنبي اقرب الي المسلم المصري من مواطنه غير المسلم وهنا لا يكون لتراب الوطن قيمة واعتبار ومن الممكن التنازل عن بعض اراضيه لصالح مسلمين غير مصريين . واظن ان هذا ما يخطط له الرئيس مرسي وجماعة الاخوان بخصوص سيناء وتوطين بعض من اهل غزة بها علي اعتبار انهم مسلمون بل ومن الاخوان . يترتب علي كل هذا ان لا يقبل الاخوان المسلمون بتساوي المسلم السني مع المسلم الشيعي بل لا يقبلون بتساوي المسلم الاخواني مع المسلم غير الاخواني، الاول يفضل الثاني كثيرا .

واذا كان الامر كذلك فغير المسلم يُعامل معاملة الرعية من الدرجة الثالثة فيمارس ضده التهميش والتضييق، فاذا اراد النجاة من التهميش والتضييق عليه وان ينعم بامتيازات الرعية المسلمة عليه الاهتداء الي الاسلام ، اما اذا لم يرد وظل علي ضلاله اقصد علي دينه فليبق في دائرة التهميش والتضييق والاضطهاد في وطنه اقصد في دار الاسلام .اظن ان هذا بعض ما يريده الاخوان المسلمون