الأب جون جبرائيل
تكشف شخصية مريم أيضًا بقوة جديدة عن السمات النموذجية لحياتها الأرضية، التي تكتسب الآن إشراقًا محررًا: إنها نموذج للشركة مع المسيح، فهي التلميذ الأول، وهي مباركةٌ لأنها "آمنت"، فهي مثال للتضامن والإبداع، متأملة ومصلّية ومتعاونة مع البشر في آن واحد، مثمرة ومفيدة، محرّرة ونبويّة. شخصية مريم ترفض فهم الروحانية المسيحية على أنّها سلبية واغتراب وخنوع. إن لتسبحة مريم، التي تتمحور حول تمجيد الفقراء والمتواضعين والنضال ضد كل ما يؤذي الإنسان، يؤكد هذا الأسلوب المريمي الخاص ويجعل من مريم نموذجًا لجميع تلاميذ المسيح، وبطريقةٍ خاصة جدًا للمستضعفين في الأرض، الذين تأمل أن يتحرّروا من قيود الظلم.
بعدَ أن بشّر الملاك مريمَ بالحبل بيسوع، ومن دون أن تتدخّل في رسالة يسوع وخدمته في الأناجيل، تتغنّى فتاةُ الناصرة البسيطة على لسان القدّيس لوقا بهذا النشيد ملخِّصةً فرحَ شعبِها بخلاصِ اللهِ ومعلنَةً بنفسها الثّورة التاريخيّة التي بدأت بمجيء المخلِّص. وتَكشُف عن رحمة الله عن طريق الاحتفال بتحقيق العدالة، وتستخدم كلماتٍ تُعبِّر عن انقلاب في الأوضاع: المتكبِّرون والوضعاء، الأقوياء والضعفاء، الأغنياء والفقراء. هذا، وستجد الأفكارُ الأساسيّةُ الواردةُ في هذا النشيد تعبيراتِها في رسالة يسوعَ نفسِه: وحيُ اللهِ، تناقضاتُ العالمِ، تَحريرُ المظلوميَن، الله بصفته مخلِّصًا، انقلابٌ في الطبقات الاجتماعيّة، الشموليّة الجديدة والفرح. مريم هنا هي النُّموذجُ الأصيلُ للتلميذ المسيحيّ: فهي واحدةٌ من الطبقةِ الفقيرةِ، تَفرحُ بخلاصِها وتُعلنُ انتصارَ الله من خلال تحقيق الرحمة.
كيف نفهم مريم؟ كيف نفهم الصورة التي يرسمها لوقا لمريم؟ في ظروف الاحتلال الرومانيّ والفقر والظلم وغياب العدالة الاجتماعية والعنف والقهر ماذا تفعل مريم؟ هي ضعيفة؟ لا ترى بديلًا؟ هل تستسلم للأمر، الواقع مستسلمة فقط لله؟ أم هي قوية ثابتة تضع ذاتها وابنها في تحقيق إرادة الله التي تشاء تغيير المجتمع نحو مجتمعٍ عادل لا مكان فيه للطبقات ولا فقراء وجوعى فيه ولا مكان للظلم، أي بكلمة واحدة: مجتمع تسوده الرحمة؟ الإجابة على هذه الأسئلة مهمّة جدًّا لأنّها تُظهر ما سيكون سلوك المسيحي وتجاوبه على إعلان رحمة الله. فهل سيدفعه هذا إلى أن يندمج في المجتمع وتكون كلمات مريم في الإنجيل إنجيلًا اجتماعيًّا يغيّر واقع الإنسان ويسهم في تحقيق ملكوت الله على الأرض؟ أم سينتظر ويتأمّل ويصلّي منتظرًا أن يتحقّق كلّ شيء في ملكوت الله في السماء؟ أهذا ما قصده كارل ماركس بأنّ الدين أفيون الشعوب؟ مريم تعلن بصوتٍ ينشد رحمة الله وتدخّله "الآن" في هذه اللحظة، على الأرض، بلا خوف، وبكلّ رجاء.
نجد صدى الانقلاب في الأوضاع الحاليّة خصوصًا في التطويبات واللعنات (لو 6/ 20-26). وإذا وضعناها بطريقة متوازية سيبدو الانقلاب في الأوضاع جليًّا:
طوبى لكم أيُّها الفقراءُ فإنّ لكم ملـكوتَ الله. لكـنِ الويـل لكـُم أيُّـها الأغنياءُ فقـد نِلتُم عـزاءَكم.
طوبى لكُم أيُّها الجائِعونَ الآن فَسوف تُشبَعونَ. لكـنِ الويـل لكُـم أيُّـها الشِّباعُ الآن فسوف تَجوعـون.
طوبى لكم أيُّها الباكون الآن فإنَّكُم ستضحكونَ. لكنِ الويل لكُم أيُّها الضَّاحكون الآن فسوف تَحزنون وتبكون.
طوبـى لـكـُم إذا اضّطـَهَـدوكُـم [...] لكـنِ الـوَيـلُ لَـكُم إذا مـَدَحَكُـم جميـعُ النَّــاس.
فـَهَكَـذا فـَعَـلَ آبـاؤهُـم بالأَنـبيـاء. فـهـكذا فـعـلَ آبـاؤهُـم بالأنبـياءِ الكـذَّابـيـنَ.
المراجع
https://www.ciudadredonda.org/art.../maria-de-la-liberacion/
The New African Bible, Footnotes on Luke ch. 1