أحمد الجمال
أكتب وفى ذهنى ما جرى مع مصر عند نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ تعشم قادة الحركة الوطنية المصرية خيرًا فى الولايات المتحدة الأمريكية، إثر إطلاق الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون مبادئه الأربعة عشر فى ٨ يناير ١٩١٨، التى ركز فيها على تحقيق السلم وإعادة البناء، وعديد من الأفكار المتصلة بحرية الملاحة فى البحار خارج المياه الإقليمية فى السلم والحرب، وتخفيض التسلح، وإلغاء الحواجز الاقتصادية بقدر الإمكان، وإيجاد مساواة بين الدول المتعاونة فى المحافظة على السلام، وحق تقرير المصير للشعوب التى خضعت لتركيا، وحرية المرور فى المضائق، وإنشاء عصبة الأمم، وأمور أخرى تتصل بدول أوروبا.
وبعد إعلان ويلسون لمبادئه اعتقد زعماء الحركة الوطنية المصرية أن ثمة فرصة لنيل استقلال مصر وجلاء الإنجليز عنها، فأقدم سعد زغلول باشا على إرسال برقيات إلى الرئيس الأمريكى يطالب فيها بتوسط بلاده من أجل السماح لممثلى مصر بالسفر لأوروبا لعرض قضية استقلال بلادهم خلال مؤتمر الصلح، وذلك بعد أن منعتهم بريطانيا من ذلك.
ومن تلك البرقيات برقية أرسلت يوم ١٧ يناير ١٩١٩، حجزتها الرقابة البريطانية، ومما جاء فيها: «من أعضاء الجمعية التشريعية (المصرية) للرئيس العظيم الموقر الذى قاد الولايات المتحدة إلى إنقاذ الإنسانية من ويلات الحرب، نقدم له ولأمريكا العظيمة الديمقراطية كل التهانى والإعجاب، وطلب تبنى مبادئ العدالة والإنسانية والمساواة بالنسبة للقضية المصرية.. تحيا الولايات المتحدة.. يحيا ويلسون».
ورغم ما يعتبره البعض بأن البرقية صيغت بنبرة استعطافية استخدمها سعد باشا فى مخاطبة الأمريكيين، إلا أننى- وعلى المستوى الذاتى- لا أرى فى ذلك عيبًا أو مثلبة تؤخذ على من يسعون لاستقلال وطنهم.
والمهم أن الأمر وصل إلى إرسال محمد محمود باشا إلى مجلس الشيوخ الأمريكى، ليشرح القضية المصرية، وبدوره قام محمود بتوكيل محام أمريكى، هو جوزيف فولك، ليترافع عن المطالب المصرية أمام لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وكان يتقاضى ألف جنيه مصرى شهريًا، أى ما يعادل- آنذاك- خمسة آلاف دولار، ولكن هذه الجهود كلها خابت، وكانت الصدمة الكبرى حين أيد الرئيس الأمريكى ويلسون إعلان الحماية البريطانية على مصر بعد انتهاء الحرب الأولى، ضمن موافقته على معاهدة فرساى فى يونيو ١٩١٩.
وعذرًا لذلك الإسهاب حول ما دار فى ذهنى عندما فكرت فى طرح تساؤل هو: لماذا لا تفكر النخبة الفكرية والثقافية المصرية والعربية فى توجيه رسالة وافية إلى المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية كمالا هاريس، نعتمد فيها- أى فى الرسالة- على تركيز هاريس على المبادئ الديمقراطية والإنسانية التى تقوم عليها الولايات المتحدة، وتركيزها على حقوق قطاعات اجتماعية عريضة من المجتمع الأمريكى فى مواجهة تفاقم معاناتهم وتعاظم مكاسب الأثرياء، إلى آخر ما تطرحه، مضافًا إليه موقفها شبه العادل تجاه جرائم الاحتلال الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى.. رسالة تخاطب وجدان الأمة الأمريكية وقواها التى تحركت ضد تلك الجرائم عبر مخاطبة هاريس، وتؤصل لعدم جواز الكيل بأكثر من مكيال فى التعامل مع قضايا الشعوب، ولعدم جواز العصف بكل قرارات وأحكام المنظمات والمحاكم الدولية التى أدانت إسرائيل، وتشير إلى ألا أحد فى مصر ولا الدول العربية يريد أكثر من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين، وأن يسود السلام والتعايش فى المنطقة، واللذين يحول دونهما الإصرار الصهيونى على الاستيطان والاستئصال والعنصرية والقتل والتدمير!.
ومن الممكن- إذا حازت الفكرة قبولًا لدى البعض- أن يتم لقاء يرتب للجنة صياغة من أهل الكفاءة السياسية والدبلوماسية، وأهل الدراية بالشؤون الأمريكية.. وفى اعتقادى أن مثل تلك الرسالة إذا جمعت عليها توقيعات شخصيات عامة وأدباء وروائيين وأساتذة جامعة ورؤساء منظمات نقابية وأهلية، وكفلت لها تغطية إعلامية واسعة؛ فإنها يمكن أن يترتب عليها تطور ما فى مواقف البيت الأبيض، فيما لو وصلت إليه هاريس، يتسم بقدر من الموضوعية النسبية تجاه هذا الصراع، عدا عن أن الأمر سيتداول فى وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والدولية عمومًا، وهذا مطلوب على أى حال.
نقلا عن المصرى اليوم