ياسر أيوب
فى اليوم الأخير لدورة باريس الأوليمبية.. وبعد ساعتين و٢٢ دقيقة و٥٥ ثانية.. فازت الهولندية سيفان حسن بماراثون السيدات، وجاءت بعدها الإثيوبية تيجسيت أسياف، ثم الكينية هيلين أوبيرى.. وتوالى وصول اللاعبات لخط النهاية.. ازدحم المكان بالإعلاميين والكاميرات ساعة كاملة لمحاورة من فازت أو لم تفز.. وفجأة.. اكتشف الجميع أن هناك لاعبة لاتزال تجرى رافضة أن تيأس أو تستسلم رغم الإعياء والألم.. فقرر الجمهور الذى أوشك على الانصراف العودة لتشجيع هذه اللاعبة.

ورفض الإعلاميون الانصراف لمتابعة وتغطية وقائع أخرى وظلت الشاشة الكبيرة تتابع هذه اللاعبة.. وتأجلت مراسم تسليم الميداليات حتى وصول اللاعبة لخط النهاية احترامًا لها.. وكلما كانت اللاعبة تقف من فرط التعب كان الناس يصفقون لها لتستمر وكان هناك من يقدم لها الماء.. وأخيرًا.. وبعد ثلاث ساعات و٥٢ دقيقة و٥٩ ثانية.. وصلت لامو كينزانج لخط النهاية، ويقف الجميع يصفقون لها حبًا واحترامًا وإعجابًا أكثر مما صفقوا لصاحبات الميداليات.. وبدأ الجميع يعرفون حكاية لامو، صاحبة الـ٢٦ عامًا، ومن أين جاءت ولماذا رفضت الاستسلام والانسحاب.. وكانت لامو قبل باريس بأربع سنوات قد تم تجنيدها فى جبش مملكة بوتان.. دولة صغيرة فوق جبال الهيمالايا بين الصين والهند.. وبدأت لامو تتعلم الجرى وتخوض سباقاته وهى فى الجيش.. وأتقنت سباقات الجرى فوق الثلج ثم بدأت تشارك فى سباقات الماراثون فى بلدها.

وحين تلقت بوتان دعوة من اللجنة الأوليمبية الدولية للمشاركة فى دورة باريس.. قررت المملكة الصغيرة التى لم تفز من قبل بأى ميدالية أوليمبية إرسال سباح ولاعب رماية ولامو لترفع العلم فى الافتتاح وتجرى فى الماراثون.. وبدأ الإعداد الأوليمبى لها فى اتحاد بوتان لألعاب القوى للهواة.. وسافرت لامو إلى باريس لتصبح المرة الأولى لها التى تشارك فيها فى أى مسابقة رياضية من أى نوع خارج بوتان.. وأدركت لامو أنها فى باريس ليس للفوز بميدالية لكن لتمثل بلدها بكل ما يعنيه ذلك من شرف والتزام.

ولهذا تحملت الألم والمعاناة وأصرت على إكمال السباق ولم تنسحب مثل ١١ لاعبة أخرى.. شعرت بأن انسحابها سيرسم صورة ليست جميلة لبلدها فى عيون الآخرين.. وأنها جاءت إلى باريس ليس من أجل الفسحة أو لتصبح مجرد لاعبة أوليمبية تتباهى بصورها داخل وخارج القرية الأوليمبية فى باريس ومعالمها.. إنما لتقدم كل ما تستطيعه وما تقدر عليه حتى إن كان ذلك قليلًا جدًا قياسًا بما تملكه وتستطيعه الأخريات.. وقال لها المسؤولون فى باريس إن ماقامت به هو التجسيد الأوضح والأجمل للروح والمشاركة الأوليمبية والمعنى الحقيقى والنبيل للتمثيل المشرف.
نقلا عن المصرى اليوم