بقلم ..المحامى شريف البدرى
ولما تنفس الصبح وأشرقت شمس مدينتنا من جديد ،انطلق التلامذة كما الطيور من أعشاشها وتزينت شوارع المدينة وأزقتها بأهازيج الأطفال ٠
كما قام أهل المدينة وكأنهم يبعثون من قبور فامتلأت شبابا ورجالا ونساء وشيوخا كل يبغى مراده ،وافترشت الأسواق بالبضائع وعلت أصوات الباعه؛وها هو ضجيج المدينة فى كل ركن يكتب حكاية جديدة من حكاياتها ٠
اما دكان سمعان الخباز وهو قبلة أهل المدينة صباحا ،التلامذه يتسابقون نحوه لشراء الحلوي والناس يصطفون جماعات فى انتظام كالجنود عسى أن ينالوا ما يسكت أنين جوعهم،تتحجر قلوبا تبلد فيها الألم؛ وترسم وجوههم لوحات الغضب والصبر والانين ٠
وقف عامل الخباز بعصا ينظم الصفوف بينما كان أهل المدينة فى انتظار ما يلقى إليهم من أرغفة قليلة ،ثم يسارعون إلى أعمالهم كمن يساق إلى الموت ٠
إنه طابور طويل لا يكاد يرى آخره ،يصطفون حتى آخر أبواب مدينتهم وكأنه يوم الحساب وفى نهايته يجلس خالد شاب أسمرا طويلا كنخيل شامخ لم تنطفئ أنوار عينيه من فقر مدينته ولم يحنى قامته ثيابه الرثه، ابتسمت فى وجهه كل ملامح المدينة،يحمل أوراقا وقلم وهو من الاساتذه كما يسمونهم أهل المدينة؛
الاساتذه موضع سخرية أهل المدينة يتعجبون من أحاديثهم،ولا يفقهون شيئا من تفلسفهم وغالبا ينتهى استماع الاهالى لهم بضحك صاخب ٠أهل المدينة لا يقنعون إلا بالتمائم والتعويذات وما للتدبر أو التعقل إليهم من سبيل .
فى منتصف الطابور الطويل وقف عامل يقول لصاحبه يومنا عسير وشمسنا حارقه ننحت فى الجبال وتلك أرغفة لا تقيم لنا صلبا،فلا يرد صاحبه. وفى أول الطابور مزارعون يقول أحدهم نشق الأرض بأظافرنا ونرويها بعرقنا لنطعم غيرنا ونحن لا يسد شيئا رمقنا ، يصرخ سمعان الخباز غاضبا بعدما سمع ما يقولون:وما ذنبى أنا والغلة فى القرية المجاورة قليله وهل أخزن شيئا فى بيتى ،فليحترق بيتى إن كنت فعلت ،يعلو صوت مزارع كهل لايقوى على حمل فأسه:انظروا لعين سمعان قد زاغت كأنه خشي أن تفتح أبواب السماء فيحترق بيته.
يرد سمعان :أيها الفلاح اللئيم أهذا شكرك لى؟يستنكر ويعلو صوت سمعان لقد كان المحصول قليلا هذا العام ألا تعلمون أنه عام جدب وأن الرياح أقتلعت المحصول قبل آوانه .
يهتز الدرويش الذي وقف إلى جوار سمعان فيسمع الجميع صوت قلادته ويصرخ فى الناس :السماء غاضبة السماء غاضبة انتظروا مايهبط عليكم من السماء انتظروا لتلقوا عقابكم.
يصرخ سمعان الخباز:ما هذا الهرج خذوا خبزكم واختفوا من أمامي أليس لديكم عمل أيها الكسالى؟،وإذا لم يكفيكم خبزى فلتأكلوا أجساد بعضكم فاللحم أشهى من الخبز. تسكن العاصفه ويحمل الكل أمتعته ويتحرك القطيع لا يحيد عن الطريق.
وفى نهاية الصف زفرت نار تحترق وصوت خافت يقول:السماء لا تغضب..... السماءلا تعرف الغضب..... السمااااء تعشق المطر.!
بقلم ..المحامى شريف البدرى